17 يناير 2007


أحمد ابراهيم الفقية



كان علي أن أسير ولا أتوقف عن المسيرrlm;,rlm; لأن الوقوف والاستسلام للعجز والتعب واليأس معناه انتظار الموتrlm;.rlm; لاrlm;,rlm; لا أريد أن أموت في هذا السرداب أو الأنبوب الذي وجدت نفسي فيهrlm;,rlm; وبالكاد يتسع لمسير رجل مثليrlm;,rlm; لو لم أكن نحيفا ضعيفاrlm;,rlm; لما اتسع ليrlm;,rlm; ولو أن الصدفة شاءت أن ألتقي برجل قادم من الطرف الآخر لبقينا في حيرة كيف نتجاوز بعضنا بعضاrlm;,rlm; ولكن لم يأت أي إنسان من الاتجاه المقابلrlm;,rlm; وقد بدأت رحلتي من نهاية النفقrlm;,rlm; حيث لا وجود لأي باب ولا كوة يأتي منها النور ولا منفذ للخروجrlm;,rlm; حتي لو كان ثقبا يتسع لفأر أو خنفسةrlm;,rlm; بل كيف يمكن التفكير في احتمال وجود أي إنسان في مثل هذا السرداب المدفون تحت الأرضrlm;,rlm; أو تحت الجبلrlm;,rlm; أو في أسفل الكرة الأرضية تحت البحار والمحيطاتrlm;,rlm; لأنني شخصيا لا أدري كيف وجدت نفسي فيهrlm;,rlm; ولا كيف وصلت إليهrlm;,rlm; ولا من وضعني فيه؟rlm;..

rlm; كل ما أعرفه أنني صحوت من نوميrlm;,rlm; فوجدت نفسي في قعر هذا النفق وفي بدايته التي لا تتوافر عليه أي بداية أكثر من جدار صخري يبدأ به أو ينتهي عنده النفقrlm;,rlm; فلم أجد شيئا آخر أفعله إلا أن أتحرك بالاتجاه المعاكسrlm;,rlm; أركضrlm;,rlm; وأثبrlm;,rlm; آملا أن أصل إلي نهاية سريعةrlm;,rlm; إلا أني لا أصل إلي شيء بعد الركض لمسافة طويلةrlm;,rlm; استنفذت جهدي وأسلمتني للتعب والإرهاقrlm;,rlm; فصرت أسير سيرا بدل أن أركضrlm;,rlm; محاولا المحافظة علي جزء من الطاقة الموجودة في جسمي لتسعفني بقية الطريقrlm;,rlm; انطوت المسافاتrlm;,rlm; وتعاقب الليل والنهارrlm;,rlm; تقديرا وحدساrlm;,rlm; لأني لم أكن أملك أي إشارة أعرف من خلالها مجيء النهار أو انتهاءهrlm;,rlm; وإنما بالإحساس وبطول الطريق الذي سرته والوقت الذي استغرقه هذا المسيرrlm;,rlm; المشكلة أيضا أنه لم يكن في حوزتي أي زادrlm;,rlm; يسكت الجوعrlm;,rlm; أو ماء يطفئ العطش وليس ثمة شيء في النفق يومئ بوجود ما يصلح للأكل حتي لو كان سحلية أو ضبا ولا شيء يصلح للشرابrlm;,rlm; فلا وجود لشيء غير الصخور والعتمةrlm;.rlm;

كنت قد وصلت إلي مرحلة من الإجهاد صرت معها أمشي وأنا أمسك بجدار النفقrlm;,rlm; أحمي نفسي من السقوط والانهيارrlm;,rlm; وانبعثت في نفسي طاقة من الأمل والانتعاش عندما لاح لي ضوء صغير كأنه الهلالrlm;,rlm; ظننته قريبا لكنه كان ينأي كلما اقتربت منهrlm;,rlm; وأخيرا وصلت إليه لأجد بابا للنفقrlm;,rlm; عبارة عن كوة تغطيها الصخور فتسلقت الجدار الأحرش الكثير النتوءات حتي وصلت إلي حيث مجموعة الصخورrlm;,rlm; ولا أدري من أين جاءتني ـ وأنا في تلك الحالة من الإنهاك والإرهاق ـ هذه القوة التي جعلتني أتسلق الصخورrlm;,rlm; التي كانت كبيرةrlm;,rlm; مغروسة في الأرضrlm;,rlm; حتي دحرجتها من مكانهاrlm;,rlm; وظهرت مساحة في الكوة تتسع لجسدي كي أستطيع المرور منهاrlm;,rlm; خارجا من النفق إلي أرض الله الفسيحة الشاسعةrlm;,rlm; وشمسه المنيرة الساطعةrlm;,rlm; خرجت وأنا أخشي أن يعشي عيني ضوء الشمس ولكن ما وجدته كان ضوءا شاحبا كأنه ضوء الغروب ولكن الشمس كانت لاتزال في كبد السماءrlm;,rlm; إلا أنها تدخل في حالة من المحاق أشبه بلحظات الخسوفrlm;,rlm; في البداية ظننت أن سحابة سوداء تعترضها ثم اتضح أنها ليست سحابة وإنما جسم مستدير يكاد يكون في حجمهاrlm;,rlm; مما أوحي لي بأني أشهد لحظة خسوف للشمسrlm;,rlm; خسوف يجعل الشمس تدخل تدريجيا خلف تلك الدائرة السوداء حتي يختفي ضوؤها محيلا العالم إلي حالة إظلامrlm;

rlm; ما كدت أصدق أني خرجت من محنة النفقrlm;,rlm; حتي أجد نفسي فوق الأرض وكأني عدت إلي النفق مرة أخريrlm;,rlm; فالظلام من حوليrlm;,rlm; يلف كل شيء إلي حد لا أستطيع أن أتبين معه طريقيrlm;,rlm; كان الطريق في النفق تحدده المساحة الضيقة للنفق التي لا تتسع إلا لجسديrlm;,rlm; ولكني هنا في متاهة سوداء أشد قسوة من النفقrlm;,rlm; لأني لا أستطيع أن أعرف لنفسي اتجاها أو طريقاrlm;,rlm; وحالة ملتبسةrlm;,rlm; هو الليل الذي ليس ليلاrlm;,rlm; والنهار الذي لا ضوء فيه والشمس التي لا تضيءrlm;,rlm; ولا تريد أن تخرج من خلف الدائرة السوداءrlm;,rlm; ولا سبيل لمعرفة كم سيدوم هذا الإظلام أو هذا الخسوفrlm;,rlm; كل ما استطعت عمله هو أن جلست ثم زحفت باحثا عن أي عشبة أبلل بها ريقي وأكسر بها صومي عن الطعامrlm;.rlm;

وكنت فعلا خلال هذه المحاولات للعثور علي شيء من حشائش الأرضrlm;,rlm; أنجح أحيانا في استلال عشبة خضراءrlm;,rlm; لا أستطيع أن أعرف لها شكلاrlm;,rlm; ولا أن أتبين لها طعماrlm;,rlm; ولكني من شدة عطشي وجوعي كنت ألتهمها التهاما إلي أن تحقق لي نوع من الراحةrlm;,rlm; فتمددت في العراء وتحت ظلام الشمس التي لا تضيءrlm;,rlm; اغمض عيني أتوسل شيئا من النومrlm;,rlm; ويبدو أن الإجهاد قد فعل فعله بجسدي وأطرافي فاستسلمت لنعاس لذيذ أحسست به يسري في جسمي كالمخدرrlm;,rlm; ولم أشعر بنفسي إلا عندما صحوت في الصباح نائما في سريري بجسم يطفح عرقاrlm;,rlm; مدركا أن ما رأيته لم يكن كابوسا ولم يكن حلما ولم يستغرق مني ليلة واحدةrlm;,rlm; وإنما أشهرrlm;,rlm; إن لم يكن أعواماrlm;,rlm; بدليل هذا الشعر الكثيف الأشعث الذي تتخلله خيوط فضيةrlm;,rlm; الذي نمي في وجهي وهذا اللون الأبيض الذي غزا فجأة شعر رأسيrlm;,rlm; وكنت أراه بالأمس فاحم السواد عندما كنت أنظر في المرآةrlm;.rlm;

هل هذه الأسطر قصة قصيرةrlm;,rlm; أم ربما خواطر قاسية أملاها الإحساس بالدخول إلي عتبات تلك المرحلة المتقدمة من العمر التي نسميها الشيخوخة؟