جوناثان فريدلاند - الغارديان

لك أن تقول ما تشاء عن جورج بوش، لكن أحداً لا يستطيع ان يتهمه بأنه يتبع توجهات الجموع. وعندما يصرخ الكل، بدءاً من الناخب الاميركي، مرورا بالعسكريين، إضافة إلى ذلك الاجماع النادر للرأي العالمي، عندما يصرخون بصوت واحد قائلين: quot;كفىquot; للحرب في العراق، فان بوش يذهب في الاتجاه المعاكس، ويقرر التصعيد. وعندما يشكو رؤساء اركان الجيوش لديه من التمدد اليائس في الحرب على الارهاب، يعتبر تلك الشكوى بمثابة مفتاح لفتح جبهة أخرى. وهذا بالضبط ما جرى في الفترة الأخيرة.

في ليلة الاحد، السابع من الشهر الجاري، شنت القيادة العسكرية الاميركية ضربة جوية، لا على العراق او افغانستان، ولكن على جنوبي الصومال. وتقول بعض التقارير التي أعقبت الغارة ان القصف استمر لوقت طويل بعد ذلك. واذا لم تكن تعرف بان الصومال كانت مدرجة على قائمة الاعداء، واذا ما كنت تجد ذلك صعبا، آخذاً في الحسبان انضمام سورية وايران وكوريا الشمالية إلى قائمة اعداء واشنطن، فلا تلومن نفسك على عدم المعرفة. ذلك ان محور الشر هذه الايام يتوسع بشكل اسرع من الاتحاد الاوروبي الذي ينضم اليه عضوان جديدان في مطلع كل كانون الثاني.

إنه ليس ذلك الأمر هو الذي يستدعي تهكمنا. فمنذ الوهلة الاولى تبدو غارة الصومال (او غارات الصومال) تماما من نوع الأعمال الذي تنطوي عليها الحرب الكونية على الارهاب، لولا أنه تم تحريفه بنفس طريقة ذلك الحديث السخيف البعيد عن الواقع، والمتعلق بأسلحة الدمار الشامل والعراق.

وبعد كل شيء، يقول الاميركيون انهم وجهوا نيرانهم يوم الاحد المذكور إلى قياديين اثنين في القاعدة يعتقد بانهما مسؤولان عن التفجيرات التي استهدفت السفارتين الاميركيتين في كينيا وتنزانيا عام 1998. ولعل استهداف quot;الاشرارquot; من أمثالهما هو بالضبط ما كان يفترض ان تكون عليه الحرب على الارهاب.

لكن عملية يوم الاحد المذكور انطوت على مجازفات خطيرة. فهناك ذلك الانقلاب الدعائي - حيث يستهدف عدو الاتجاه الجهادي، ممثلاً بالولايات المتحدة، بلدا مسلما مرة اخرى. ولو ان الاميركيين نفذوا عملا غير متقن بحيث قتل مدنيون، لكانت القدرات التطويعية للقاعدة والآخرين أكبر. ففي مثل هذا الوقت من السنة الماضية، اعتقدت طائرة اميركية بلا طيار انها رصدت أيمن الظواهري، نائب اسامة بن لادن عندما قصفت 17 شخصا بمن فيهم 6 نساء و 6 اطفال، ولم تقصف الظواهري. وقد ابدى مسؤولون افارقة تحدثت معهم بعد الغارة الأخيرة شكوكا في ان يكون الاميركيون قد ادوا اداء أفضل هذه المرة، اذ كان هدفهم الرئيسي مسؤولاً كبيراً في القاعدة في شرق إفريقيا، والذي ذكر انه متمترس في التخفي ودائم الحركة. (وإذا ما كانوا قد حددوا موقعه فعلا، أفلم يكن من الافضل لو انهم القوا القبض عليه ليعرفوا ما يعرفه؟).

الى ذلك، لا تكاد تشفع لمظهر الأمور حقيقة ملموسة، وهي ان شريك واشنطن الرئيس في هذه المغامرة هو حكومة إثيوبيا المسيحية، لأن تلك لم تكن مجرد عملية بوليسية بسيطة، وإنما جزءا من توغل اميركي أوسع في نزاع فوضوي معقد.

قبل عدة أسابيع، دخل الاثيوبيون الى الصومال للاطاحة بالقوى الاسلامية التي كانت قد استولت لتوها على مقديشو. ولا يحب الاميركيون تلك الحركة الاسلامية ويخشون من ان تكون لها صبغة quot;طالبان افريقيةquot;، ولذلك دعموا الاثيوبيين لاخراجها. ووفق باتريك سميث محرر صحيفة quot;افريكا كونفيدنشالquot;، أصبحت الحرب على الارهاب وبسرعة حرب القرن الحادي والعشرين الباردة، حيث تجد الولايات المتحدة حلفاء يقاتلون أعداءها بالنيابة في أماكن قصية.

وبالطبع، لا يرى بوش الوضع بتلك الطريقة. وهو يأمل بلا شك بان يعمل توجيه ضربة جوية نظيفة ومتماسكة في افريقيا على تذكير الاميركيين بشيء عن الحرب التي يحبونها على الارهاب، وهو - قتل الاشرار - قبل قليل من سماعهم بعض الاخبار التي لا يحبونها. لان الرئيس بوش سيبلغ الاميركيين في الليلة التالية بأنه يستعد لارسال قوات اضافية تصل الى 20,000 جندي اميركي الى المقبرة التي تسمى العراق. وفيما يصف شعبه ذلك بأنه جيشان، يدعوه كل من يعرف المصطلحات الإنجليزية بالتصعيد.

انه انحراف صرف في المصداقية الديمقراطية. وكان الاميركيون قد ارسلوا في الانتخابات النصفية في تشرين الثاني الماضي رسالة بالوضوح الذي استطاعوه، باستثناء استئجار طائرة لتكتب في السماء فوق جادة بنسلفانيا: quot;نريد لهذه الحرب ان تنتهيquot;، وقال بوش انه سمعهم. لكنه يفعل العكس تماما وسريعاً. وقد تساءل مقال افتتاحي لصحيفة نيويورك تايمز مستغرباً ما اذا كان الرئيس بوش قد شاهد حتى نتائج ليلة انتخابات 2006، او انه عكف على مشاهدة شريط فيديو يعرض مشاهد انتصارات الجمهوريين في عام 2002.

ان للجمهوريين صولتهم في هذه المنطقة بالطبع. ففي عام 1968، تم انتخاب ريتشارد نيكسون على بطاقة انهاء الحرب في فيتنام: لكن الحرب استعرت بدلا من ذلك حتى قتل فيها 55000 جندي أميركي، إضافة إلى مليوني جنوب شرق آسيوي. لكن إيماءة بوش لجمهوره بأصبعه الوسطى تبدو أكثر فظاظة، حتى ولو كان ذلك ليس لأنه يتجاهل الشعب الأميركي فحسب، وإنما يتجاهل أناساً قد يخيل إليك أنه ربما يكن لهم الاحترام.

ثمة اسابيع قليلة فحسب مرت على إعلان التوصيات التي وضعها ربيب والده جيمس بيكر، والتي تقضي بانسحاب من العراق لإنقاذ ماء الوجه. ويجري حاليا اهمال تلك الخطة. وكذلك الأمر بالنسبة للقائدين العسكريين الرفيعين اللذين أفتيا ضد ارسال المزيد من القوات للقتال في حرب خاسرة. فالجنرال جورج كيسي، لن يظل مسؤولاً الآن، بينما أعفي الجنرال جون ابي زيد من منصب ادارة القيادة الوسطى. وكان كلا الرجلين قد عارضا فكرة quot;الزيادةquot;، داعيين بدلا من ذلك الى انسحاب اميركي تدريجي. وكان لدى ابي زيد الذي يتحدث العربية الجرأة لان يقول ذلك علانية، حيث قال quot;إن الوضع في بغداد يتطلب زيادة في عديد القوات العراقيةquot; لا المزيد من القوات الاميركية.

وهكذا، فإننا نعرف الى ماذا ترقى استراتيجية بوش الجديدة التي جرى التبجح بها كثيرا: اسكب مزيدا من الوقود على النار. ولعل من المفهوم ضمناً ان بوش يخطط في الحقيقة للانسحاب في نهاية المطاف، لكنه يأمل بان توفر له دفعة أخيرة ما يستطيع أن يسميه في النهاية انتصاراً. وتجدر الاشارة الى ان علماء النفس يجدون سلوكا مشابها عادة ما يسلكه المقامرون الموسوسون الذين يلجأون عندما يقعون في مشكلة، إلى رفع رهاناتهم على امل أن يتيح ذلك لهم المجال لمغادرة طاولة القمار بكرامة. ولدى العلماء تعبير لوصف هذا المنحى في التفكير، وهو quot;التفكير الإيهاميquot;.

ولكن، اين نقع نحن البريطانيين في هذا الانحدار من المطهر الى جهنم؟ إن توني بلير ما يزال على العهد القديم. وهو يقول في مقال ظهر في العدد الأخير من مجلة فورين افيرز، اننا لم ننتصر في الحرب على الارهاب quot;لاننا لم نكن شجعانا بما فيه الكفاية .. لنقاتل من اجل القيم التي نؤمن بهاquot;. وفي امكنة اخرى، يرى متفائلون دلالات على اننا بتنا نبتعد تدريجيا بضع بوصات عن الكارثة، وهم يلاحظون غوردن براون، رئيس حكومتنا المفترض التالي، وهو يدين اعدام صدام حسين معتبراً إياه quot;محل ادانةquot;. ربما كان ذلك مؤشرا على أشياء افضل ستأتي، لكن ثمة شيئا ما اعرج فيما يتعلق بالعرف الحالي، والذي يتيح لساستنا انتقاد وقائع مفردة في هذه الحرب، ومنها: تفكيك الجيش العراقي في عام 2003، وجهود اعادة الاعمار، ونوعية السلوك اثناء اعدام صدام وتصويره (رغم عدم انتقادهم العقوبة نفسها؛ ولكنه عرف يتطلب منهم التزام الصمت فيما يتعلق بجريمة الغزو نفسها.

إنني اعرف.. أي شيء آخر يستطيع براون قوله في ضوء كونه صوت لصالح الحرب، وجلس الى جانب بلير طيلة استعارها بدلا من ان يقدم استقالته احتجاجا. لكنه ما إن يصعد الىِ 10 داوننغ ستريت، فان عليه أن يفعل اكثر من ذكر الأمور البينة فيما يتعلق ببربرية الحياة في بغداد اليوم. وسيتوجب عليه أن يحقق خروجاً نظيفاً من هذا الفصل المرعب في السياسة الخارجية البريطانية والاميركية، ثم الشروع في انتهاج استراتيجية راديكالية خاصة بالحرب ضد الجهاديين، وهي سياسة تفهم أنك لا تصطاد السمكة الارهابية باطلاق النار عليها من السماء، وإنما من خلال تجفيف بحر الظلمات الذي تسبح تلك السمكة فيه. وسيكون ذلك العمل طويلا وبطيئا ويتطلب قوة ذهنية سياسية هائلة. وسوف يكون هو القطب المعاكس لكل شيء يمثله جورج بوش.