هدى الحسيني

يبدو أن الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش قرر إدارة الحرب في العراق على طريقته، بمعنى زيادة عدد القوات الاميركية واعتماد سياسة جد متشددة تجاه إيران وحليفتها سوريا. فمنذ غزو العراق كان التنفيذ السيئ للسياسة الاميركية سبب كل مشاكل أميركا ومشاكل المنطقة، إلى درجة ان العراق الجديد تحول إلى قطار يسيطر عليه الشيعة الموالون لإيران ولم يعد باستطاعة الولايات المتحدة كبح جماحه. وصار الوجود لأميركا والنفوذ الفعلي لإيران.

مع الشيعة الموالين لإيران صارت طهران تحرك كل خيوط اللعبة السياسية والأمنية في العراق. في 27 الشهر الماضي اعتقلت القوات الاميركية أربعة إيرانيين (دبلوماسيين ورجلي أمن) كانوا يقيمون في مجمع تابع لرئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية عبد العزيز الحكيم الذي استقبله الرئيس بوش أخيرا. في تلك الغارة تمت مصادرة وثائق وتقارير تؤكد مساعدة الحرس الثوري الإيراني لمجموعات القتل السنّية والشيعية من دون استثناء لزعزعة الوضع في العراق. إيران طالبت بإطلاق سراحهم، والرئيس العراقي جلال طالباني تبنى دعوته للمعتقلين لزيارة بغداد! ردة فعل طهران على تلك الغارة كانت الطلب من رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي (حزب الدعوة) تنفيذ حكم الإعدام بصدام حسين صبيحة عيد الأضحى، رغم أن الاميركيين حاولوا إقناعه بتأجيل الإعدام عشرة أيام.

في 11 من الشهر الجاري، وفي مكتب بأربيل، اعتقلت القوات الاميركية خمسة إيرانيين من قوات القدس ـ الذراع العسكري والأمني للحرس الثوري الإيراني. إيران طالبت بإطلاق سراح laquo;دبلوماسييهاraquo; وطالبت واشنطن بـlaquo;دفع تعويضات لهمraquo;! وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري اعترف انهم ليسوا ديبلوماسيين وانهم في اربيل بتنسيق مع الحكومة المحلية، وبرر وجود الحرس الثوري الإيراني بوجود اتفاقية امنية بين حكومتي طهران وبغداد. ردة فعل طهران كانت الطلب من المالكي إعدام برزان التكريتي وعواد البندر رغم أن طالباني كان اقترح تأخير التنفيذ laquo;رحمةraquo; بسمعة الحكم العراقي الجديد!

هل ان ما يجري هو استعداد للمواجهة المقبلة بين أميركا وإيران؟

عندما جرت تغييرات في القيادة العسكرية الاميركية المهتمة بالعراق لوحظ تعيين الادميرال ويليام فالون على رأس القيادة المركزية المسؤولة عن الشرق الأوسط. وجاء التفسير العسكري لذلك بأن تعيين طيار بحري ليشرف على العمليات العسكرية في الخليج له دلالة واحدة تشير الى الخطوات التحضيرية لضرب المنشآت النووية الإيرانية، إذا ما دعت الضرورة. لأنه إذا ما قام السلاح الجوي بغارات مكثفة فإن المهمة الاستراتيجية ستقع على البحرية، فإيران ستفكر بالرد بالهجوم على منصات وحاملات النفط وإغلاق مضيق هرمز ومحاولة ضرب البنية التحتية لنفط دول الخليج، وهنا يبرز دور البحرية الاميركية. وكان الرئيس بوش أشار إلى توجه حاملة طائرات أخرى مع سفنها إلى الخليج، كما ان بريطانيا واستراليا تقومان بتكثيف وجودهما البحري في المنطقة. وكان الجنرال المتقاعد رالف بيترز صاحب كتاب laquo;حذار من ترك المعركةraquo; قال: إن الادميرال فالون شارك في عملية laquo;عاصفة الصحراءraquo; عندما كان على رأس سرب من طائرات إحدى الحاملات، وانه يدرك أيضا laquo;حاجة الصين واعتمادها على نفط الشرق الأوسط، وإذا ما قامت عملية اميركية ضد إيران فانه سيضمن ذلك النفط للصين!raquo; ولفت إلى أن الرئيس بوش يسير على خطى الرئيس روزفلت الذي لجأ عام 1942 الى البحرية. ويضيف: laquo;قبل مواجهة إيران بدأت البحرية الاميركية تجول الشواطئ الصومالية وتلاحق الإرهابيين وقراصنة المياهraquo;، ويؤكد أن أميركا تريد أن تتحكم في المنافذ البحرية لكل الدول التي تهمها، laquo;فهي تبقى القوة البحرية الأولى في العالم، وكما قال السير والتر راليه قبل 400 سنة: إن من يسيطر على البحار يسيطر على العالمraquo;.

بعد التعيينات العسكرية جاء خطاب الرئيس بوش حول الاستراتيجية العراقية الجديدة، حيث بدت إيران العدو الرئيسي، وجاءت سوريا في المرتبة الثانية.

وقال بوش إن بلاده ستعمل مع دول أخرى laquo;لمنع إيران من الحصول على السلاح النووي والسيطرة على الخليجraquo;. وإذا كان بوش أشار إلى تركيا بالاسم، إلا انه كان يفكر تحديداً بالصين، ذلك أن رسالة صينية كانت وصلت أثناء استقبال رئيس الوزراء الصيني ون جياباو لرئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، إذ رفض وصف طهران للقرار الدولي 1737 الذي يقضي بفرض عقوبات على إيران بأنه laquo;مجرد ورقةraquo;، وأكد جياباو انه يعكس قلق العالم من المسألة النووية الإيرانية. ثم أوضح أن laquo;بكين تعارض وجود إيران نوويةraquo;.

والى ذلك فإن موقف الصين هذا، وفي هذه المرحلة الحاسمة، يساعد الاستراتيجية الاميركية في احتواء إيران، خصوصاً أن بريطانيا تقف بشدة مع واشنطن، وفرنسا جاك شيراك مشغولة بالانتخابات الرئاسية، والمستشارة الألمانية انجيلا ميركل تعيد تقوية العلاقات التقليدية بين واشنطن وبرلين، وتأمل واشنطن مع موقف الصين الجديد أن تعزل روسيا في مجلس الأمن عندما يحين في شهر آذار (مارس) المقبل موعد مراجعة ما تحقق من القرار 1737.

ويشرح لي خبير غربي تطلعات الصين، القوة البارزة على المسرح الدولي، فيقول: laquo;إن الصين وضعت شروطاً على عقودها النفطية مع إيران (تستورد 13% من احتياجاتها النفطية من إيران) مرتبطة بحل المسألة النووية. ثم ان التبادل التجاري والتكنولوجي والاستثماري بينها وبين أميركا عميق ومتشعب، وهي ترى ان المحادثات السداسية الأطراف حول الأزمة النووية لكوريا الشمالية قوّت العلاقات الصينية ـ الاميركية. ثم ان الصين تعتمد على الولايات المتحدة لتتحكم في الأطراف التي تطالب باستقلال تايوان، كما انها تعتمد عليها لحل مشاكلها مع اليابان. ويقول محدثي: laquo;لا بد انه في حسابات الربح والخسارة، ترى الصين ان علاقاتها مع أميركا تفوق في فائدتها أضعاف ما تستفيد من علاقاتها مع إيرانraquo;.

لكن، الأكثر أهمية في التفكير الصيني هو الاعتبارات الاستراتيجية لعلاقاتها مع المملكة العربية السعودية، ثم ان تبادل الزيارات في خلال أربعة اشهر بين العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس الصيني هاو جينتاو في العام الماضي، أعطى قوة للمعادلات السياسية في العلاقة السعودية ـ الصينية.

يقول محدثي: laquo;يجب عدم التقليل من الدور السعودي في ما تتطلع إليه الصين من بناء احتياطي نفطي استراتيجي، هي ترغب في بناء أربعة مراكز ينتهي إنشاؤها العام المقبل وستكون قادرة على تخزين ما تحتاجه الصين من نفط لمدة شهر، وتنوي الصين زيادة كمية احتياطيها عام 2015 ليصبح كافياً لمدة ثلاثة اشهر.

ويضيف محدثي: laquo;ان السعودية تزود الصين بـ17% من حاجاتها النفطية وتستثمر المليارات في القطاع الصيني البترو ـ كيماوي، وحسب تخمينات الخبراء، فإذا اختارت السعودية خلال السنوات الثلاث المقبلة زيادة نصف مليون برميل يومياً على إنتاجها وتصديره إلى الصين، فان هذه الكمية توفر للصين الاحتياطي النفطي الاستراتيجي الذي تتطلع إليهraquo;.

إذا ترجمنا هذه الوقائع سياسياً، فإن الصين لا تستطيع إلا أن تقدّر حذر الموقف السعودي تجاه إيران، ثم انه مع تنامي تداخل الصين بالاقتصاد العالمي، فان من مصلحتها أن تساهم في دعم الاستقرار السياسي والأمني في الشرق الأوسط. ولا يختلف اثنان على ان الدور الإيراني، إن كان في العراق أو في لبنان أو في فلسطين، هو دور غير داعم للاستقرار، ثم ان النفط الإيراني سينضب خلال 20 عاماً.

وتتطلع واشنطن إلى تعاون الصين في مجلس الأمن في الأشهر المقبلة، وهي تعرف أن نظرة الصين إلى الشرق الأوسط تختلف عن نظرتها إلى بورما عندما استعملت حق النقض لعرقلة قرار ـ اعتراضي ـ اقترحته أميركا الأسبوع الماضي. ذلك أن استراتيجية العراق التي أعلنها بوش في خطابه تعتمد على تفويض من الأمم المتحدة لتشكيل قوات حفظ سلام عربية تحت مظلة الجامعة العربية، لتنتشر في العراق لوقف الحرب المذهبية، وهي بدورها ستسمح للقوات الاميركية بالانسحاب.

لكن، كل المحاولات الاميركية يجب أن تبدأ باحتواء إيران.

قبل سنتين، اعد laquo;الصقورraquo; في البنتاغون مسودة حول إيران في ظل خانة laquo;التعليمات الرسميةraquo;، حيث يسمح الرئيس باستعمال كل الوسائل، ما عدا الحرب، لزعزعة الوضع في إيران. لكن بسبب الضغوط من وكالة الـlaquo;سي.آي.ايهraquo; ووزارة الخارجية، قرر البيت الأبيض تأجيل التوقيع على مثل تلك laquo;التعليمات الرسميةraquo; التي لا تتطلب بالضرورة موافقة الكونغرس، خصوصاً إذا كان الجيش سينفذها وليس عملاء الـlaquo;سي.آي.ايهraquo;.

قد لا يكون الرئيس الاميركي وقّع على تلك laquo;التعليمات الرسميةraquo;، لكن كما قال لي مصدر اميركي: laquo;إن هناك مليون طريقة لسلخ جلد الهر، وقد بدأت العملية وعلينا متابعة ما سيجري خلال الأشهر الستة المقبلةraquo;!