سمير عطا الله

ذهب الكاتب البريطاني افلين وو إلى مستعمرات الإمبراطورية في العشرينات والثلاثينات ليكتب انطباعاته عن عالم سحري اعتقد انه سوف يدوم، ولكن بعد نهاية الحرب العالمية الثانية تأمل في وضع العالم وقال إن laquo;هيكل الحياة الغربية الذي بني بصبر وطرِّز بإتقان وبدا صلباً قد ذاب تاركاً خلفه بركة من الطينraquo; وهو الآن laquo;مليء باللاجئين والذين بلا مأوىraquo;.

لكن أولئك laquo;الذين بلا مأوىraquo; الذين خشي الكاتب الشهير من أنهم سوف يدمرون النظام العالمي ويثقلون على الامبراطوريات السابقة، ملأوا مدن أوروبا وعواصمها وأحياءها الفقيرة، وساهموا إلى حد بعيد في بناء قارة جديدة ومزدهرة ومتحررة من أعباء الاستعمار.

محاكمة البريطانيين ذوي الأصول القارية الذين حاولوا إشعال قطارات لندن وباحاتها العام الماضي، دليل على حالة غير عامة. حتى الألوف الذين حاولوا إحراق باريس في الفترة نفسها تقريباً، لا يمثلون حقيقة laquo;الذين بلا مأوىraquo; الذين خاف افلين وو من أنهم سيدمرون الغرب. لقد ساهم المهاجرون الأفارقة والعرب والآسيويون في تعمير أوروبا التي دمرت بعضها البعض خلال الحرب، ولولا قبولهم الأجور الضئيلة والعيش البائس وساعات العمل الطويلة، لظل من الصعب إعادة بناء المدن التي دكت جدرانها ودمرت طرقاتها ورمدت مبانيها.

الذين حاولوا تفجير لندن فرقة من فرق الجريمة، مثل laquo;الألوية الحمراءraquo; في ايطاليا أو laquo;بادر ماينهوفraquo; في ألمانيا، أو مجموعات القتل المجاني التي ظهرت في البيرو وبلدان أميركا اللاتينية الأخرى. جميعهم بيض وجميعهم غير مسلمين، ومثل هذه التيارات التي تؤمن بالقتل الجماعي والجريمة السياسية ونشر الفوضى والخراب والتهجير، كانت لها جذور في أوروبا وكان لها فلاسفة ومنظرون تبعتهم أوروبا تبعية عمياء. وهؤلاء laquo;المشردون الذين لا مأوى لهمraquo; اعتبرهم هتلر أعداء العرق الآري الذي منه الإنسان الأوروبي المتفوق، وأراد بناء قارة نظيفة من الأعراق الأخرى وضعفاء الأجسام والمعوقين.

يملأ عمال المستعمرات السابقة بلدان العالم. وينضوون تحت قوانينها ونادراً ما يخالفون أنظمتها. ولم تعد أوروبا ولا أميركا ذات لون واحد. والذين جاءوا عبيدا في القرون الاستعمارية أصبحوا شركاء حقيقيين في غرب ما بعد الاستعمار. وفيما لا تزال أميركا تحارب وتجر معها من تستطيع من دول أوروبا، تبدو القارة القديمة وكأنها تريد أن تنسى كل حروبها وماضيها. وقد أصبحت ألمانيا الغربية والشيوعية واحدة دون عناء والآن أصبحت دول أوروبا الشرقية، بما فيها رومانيا تشاوشسكو، جزءاً من الدولة الأوروبية الواحدة، التي كانت تُعرف إلى سنوات قليلة خلت، بأوروبا الغربية، وكانت الحروب تقوم بين شرق القارة وغربها لكي تنضم دولة من هنا أو هناك. وكادت إسبانيا في الثلاثينات تصبح دولة شيوعية، كما أن البرتغال في السبعينات كادت تعلن النظام الشيوعي. الفورات والتيارات السياسية ليست وقفاً على احد، والمتهمون بجرائم لندن يشكلون نسبة ضئيلة من جالية لم تكف عن المساهمة في بناء بريطانيا منذ نصف قرن.