19 يناير 2007


د. رغيد الصلح

انعقدت قمة رابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان) الثانية عشرة في مطلع هذا الاسبوع وسط اهتمام دولي واقليمي واسع. ووفرت اعمال المؤتمر الذي انعقد في مانيلا، عاصمة الفلبين، مبررات كافية لهذا الاهتمام. فالمؤتمر عالج موضوعات ذات ابعاد دولية حساسة مثل قضايا الارهاب والقنبلة النووية الذرية وتحرير التبادل التجاري بين دول المنطقة. اما الاهتمام الدولي فعبر عنه حضور زعماء اليابان والصين القمة مع أن البلدين ليسا اعضاء في آسيان، وكذلك توقيع فرنسا اتفاقية تعاون وعدم اعتداء مع آسيان واعلان الاتحاد الاوروبي رغبته في الانضمام الى الاتفاقية.

وكما هو معتاد ومتوقع، ففيما كان المؤتمر فرصة لمجموعة الدول العربية لكي تساهم في هذه القمة الدولية وتوطد علاقاتها مع دول آسيان ومع الزعماء الآسيويين، وفيما وفر المؤتمر فرصة للمنظمات العربية الاقليمية وخاصة جامعة الدول العربية لكي تحضر المؤتمر وتستفيد من التجربة الآسيوية في مجال التعاون الاقليمي، فإن العرب أغفلوا هذه المناسبة المهمة.

بالطبع هناك قضايا ساخنة واستثنائية تستأثر بالاهتمام العربي، مثل احتدام الصراع في العراق وفلسطين والتوتر المخيم على لبنان، هذا فضلا عن قضايا دارفور والصومال. هذه القضايا تشد اذهان القيادات العربية الى المنطقة نفسها وتشغلها الى حد بعيد عن الاهتمام بمجريات السياسة الدولية. ولكن هذا لا يمنع ارسال وفد عربي برئاسة احد وزراء الخارجية العرب لحضور المؤتمر وابداء وجهة النظر العربية في القضايا المدرجة على جدول اعمال قمة آسيان. مثل هذه المبادرة لا تصرف القيادات العربية عن متابعة الاوضاع العربية الحرجة. بالعكس انها تأتي في سياق هذه المهمة.

فعند بحث قضية برنامج التسلح النووي الكوري الشمالي وما يحمله من اخطار على جنوب شرقي آسيا، تستطيع الدول العربية ان تعبر لدول آسيا الشرقية عن مخاوفها المشتركة من سباقات التسلح النووي، وأن تدعم موقفها تجاهها. فهذه السباقات تكاد تلف القارة كلها. ففي آسيا اكبر عدد من الدول النووية من بين دول القارات الخمس. وفي آسيا هناك ثلاث دول على الاقل مهيأة للانضمام الى الدول الخمس التي تمتلك القنبلة النووية ووسائل نقلها حاليا. كل ذلك يشكل أخطارا جسيمة على القارة، ويحمل دولها النامية وغير النامية اعباء مالية جسيمة. وافضل لهذه الدول ان تنفق هذه الاموال على مكافحة اخطار كبرى تهدد الملايين من الآسيويين مثل مرض الايدز والاعاصير التي تشبه تسونامي بدلا من إنفاقها على تطوير السلاح النووي.

وبإمكان وفد عربي يحضر مناسبة مثل قمة آسيان ان يشرح لدول شرق آسيا دور ldquo;إسرائيلrdquo; في اطلاق سباق التسلح النووي في المنطقتين الشرق الاوسطية والعربية، وأن يطلب من هذه الدول مساعدة الدول العربية في سعيها الى تحويل الشرق الاوسط منطقة خالية من اسلحة الدمار الشامل. ويستطيع مثل هذا الوفد العربي ان يطالب الزعماء الآسيويين بأخذ هذه المسألة في عين الاعتبار في علاقاتهم مع ldquo;إسرائيلrdquo;. فحبذا لو قال الزعماء الصينيون لإيهود اولمرت، رئيس الحكومة ldquo;الإسرائيليrdquo; عندما زارهم خلال الاسبوع الفائت وطالبهم بالضغط على ايران لوقف برنامجها النووي، حبذا لو قالوا له: نعم نحن سننصح الايرانيين بألا يفكروا بولوج باب التسلح النووي، ولكننا ننصحكم انتم ايضا بالتخلي عن القنبلة النووية وبإتلاف مخزونكم من السلاح النووي كما فعلت جنوب إفريقيا وروسيا.

كذلك كانت قمة آسيان منبرا ملائما وفرصة مناسبة لتوسيع الاتصالات مع القادة الآسيويين ولإسماعهم رأي المجموعة العربية في مسألة الارهاب الدولي. فلقد بات شائعا، عندما يجري التداول بهذا الموضوع في غياب الدول العربية، ان يبحث وكأن هذه الدول مقصرة أو متساهلة في مكافحة الارهاب، او كأن الارهاب هو في الاساس مشكلة عربية انتقلت بحكم العدوى أو التسيب الى بلاد الآخرين. كذلك بات شائعا ومعتادا أن يجري التطرق الى موضوع الارهاب في سياق التحريض على الدول العربية وعلى شعوبها. المساهمة النشيطة في المؤتمرات الدولية التي تبحث في هذا الموضوع خطوة مهمة لتصحيح هذه النظرة.

إن العرب هم الضحايا الاوائل لهذه الظاهرة. وقبل ان يلجأ بعض الافراد او الجماعات العربية الى ممارسة هذا النوع من العمل الاجرامي، فقد سبقتهم اليه المنظمات الصهيونية مثل الارغون وشتيرن. فضلا عن ذلك فإن العرب يضطلعون بالعبء الاكبر في مكافحة الاعمال الارهابية، وهناك ميثاق عربي لمكافحة الارهاب الدولي انضمت اليه كافة الدول العربية. ويمكن اعتماد هذه الوثيقة كأساس للتفاوض مع آسيان التي اقرت بدورها ميثاقا لمكافحة الارهاب، والمطالبة بتنسيق الجهود بين الطرفين واستنادا الى النقاط المشتركة في الوثيقتين من اجل توسيع جبهة مكافحة الارهاب في القارة. وكخطوة ضرورية على هذا الطريق يمكن عقد مؤتمر دولي الطابع، يكون من مهامه تحديد معنى الارهاب بحيث لا يطال الافراد والجماعات التي تمارس الارهاب فحسب وإنما ايضا الدول التي تلجأ اليه وبأساليب اكثر فتكا من اساليب الجماعات الارهابية.

فضلا عن الترويج لفكرة التعاون بين المجموعة العربية وآسيان، كان من المستطاع البدء في حوار شراكة مع ldquo;آسيانrdquo;. مثل هذا الحوار لا يتجاوز الواقع ولا يقفز فوقه. فبين العرب والآسيويين علاقات وطيدة وصداقة تاريخية تكونت في خضم النضال من اجل التحرر وتبلورت في اطار حركة عدم الانحياز ومجموعة ال 77 وفي العديد من الهيئات الدولية الاخرى. وبين الدول العربية والدول الآسيوية علاقات تجارية نشيطة ونامية. فصادرات دولة الامارات، وحدها، الى الدول الآسيوية لعام 2003 تجاوزت 6،5 بليون من الدولارات، في حين انها لم تتجاوز 2،5 بليون من الدولارات الى اوروبا وأمريكا معا. وبلغت صادرات السعودية في نفس العام الى دول آسيا ما يفوق 41،5 بليون دولار الدولارات بينما لم تتجاوز 33،5 بليون دولار الى القارتين الاوروبية والامريكية معا. وتجاوزت صادرات مصر الى آسيا البليون دولار بينما لم تتجاوز صادراتها الى القارة الامريكية ما يفوق الستمائة مليون دولار.

العلاقات التاريخية الحميمة والاقتصادية المتشابكة والمصالح المتقاربة لا تسمح للعرب بأن يطوروا صلاتهم وأن يعززوا وجودهم في كافة المناسبات الآسيوية المهمة فحسب، إنها تجعل من هذا المنحى من العمل السياسي والدبلوماسي واجبا وضروريا. فإذا كنا نتطلع الى بناء علاقات قوية مع الاصدقاء الآسيويين عندما كان العالم ldquo;مدينةrdquo; مترامية الاطراف خلال القرن الفائت، فإنه حري بنا ان نضاعف جهودنا في هذا المضمار بعد ان تقلص العالم في عصر العولمة الى قرية دولية.