أنيس منصور

عندنا أغنية شعبية تقول: (يا عم جوزة من الهند ومركب عليها (غاب).. أنا خدت منها نفس.. والعقل مني غاب.. يا عم ساحر من الهند.. الخ). والتفسير: كلمة (غاب) هي كوم من الأعواد الإثيوبية يستخدمونها في الجوزة.. وكلمة الساحر الهندي في الأغنية الشعبية هي نموذج للقدرة الهائلة على التخمين بما كان وسوف يكون. أحيانا يصيب وأحيانا يخيب. ولأن الناس قلقون على مستقبلهم فهم يريدون أن يعرفوا ويمدون أيديهم لكل من يدعي الرجم بالغيب.. ولذلك يقدمون فناجين القهوة لمن يقرأ الفنجان. قال لي صديقي الوزير: ما رأيك؟ قلت: لا مانع. فعندي تجارب عديدة في مصر وفي هونج كونج وفي جزر هاواي. والتقينا في الغداء وامتنع الساحر الهندي عن الطعام. لأن الطعام يعكر شفافيته فلا يقوى على استكشاف ما كان وما هو كائن وما سوف يكون.. وبعد الطعام طلب منا أن نتركه وحده بضع دقائق لكي يستعد.. أما ما الذي يستعد له أو بالضبط ما الذي يهيئ نفسه له وينشط قدراته فلم نعرف.. لا سألني ولا هو تطوع فقال.

قال: أمدد يدك. مددتها. وأمسك القلم وراح يرسم مثلثات ومربعات ودوائر. وقال لي: غريبة أنت لا تصدق في هذا العلم.. علم الكف ـ مع أنك أسرع من قدم لي يده.. أنت ماذا تعمل؟ قلت: طبيب.. أعاد النظر إلى يدي وقلبها ورآها بالطول وبالعرض وقال: لا!! ثم ابتسم وقال: كأنك مثلي تعمل في قراءة الطالع..

قلت: فعلا أنا اقرأ طالع التاريخ والجغرافيا والنفس والعقل والشعوب.. أنت تقرأ كفا واحدا وأنا اقرأ كف الملايين. أنت أدق ولكني أحاول أن أكون..

سألني: بالضبط ما عملك؟ قلت: عاطل! وعندي فلوس. عاد يقلب يدي وأصابعي وأظافري.. وطلب مني ـ لا مؤاخذة ـ أن أخلع حذائي وجوربي ليرى أصابع القدمين.. وقلب قدمي إصبعا إصبعا. ثم قال بصورة قاطعة: أنت كاتب أو رسام. ولكن أنت كاتب. ولم أحاول أن أضايقه. فاعترفت. ثم بادرني بقوله: طبعا أنت لن تسألني كيف عرفت ذلك. فالإجابة عن هذا السؤال معناها أن احكي لك قصتي مع علم القراءة واستشفاف المعاني الباطنة للأرقام تماما كعلم (الجفر) عندكم.. (والجفر هو جلد الماعز). ويقال إن كتبا باطنية في تفسير القرآن والأحاديث قد ظهرت على أيام علي بن أبي طالب مكتوبة على جلد الماعز. ويقال أنها تحوي أسرار المخلوقات وهي حكاية طويلة.. (خليط من مصدق ومكذب)..

وقلت له: اعطني يدك.. فقدمها لي. وقلبتها تماما كما كان يفعل وقلت له: أنت طبيب أسنان. فوقف الرجل صارخا: أنت إذن أكبر ساحر في الدنيا. اعطني يدك اقبلها!

وقبلها. وما قلته لا علم فيه ولا فن.. وإنما قلتها مداعبا. فصدقني.. كما صدقته!