20 يناير 2007


عادل حمودة



التاريخ ليس علم الاحداث الميتهrlm;..rlm; لكنهrlm;..rlm; مخزون الخبرة الذي نستمد منه أصول الأشياء ونصل معه الي جذورهاrlm;.rlm;

وعندما يصف شيوخ الاخوان ميليشياتهم الجامعية السوداء بأنهم عيال فإن الوصف ليس غريبا عليهمrlm;...rlm; فقد سبق ان وصفوا به قتلة رئيس الحكومة محمود فهمي النقراشيrlm;..rlm; وقاضي استنئاف القاهرة أحمد الخازندارrlm;...rlm; ورئيس مباحث العاصمة سليم زكيrlm;...rlm; ان العيال يكتبون ثلاثة أرباع التاريخ السري لتلك الجماعةrlm;.rlm;

في الساعة التاسعة وعشر دقائق من صباح يوم الثلاثاءrlm;28rlm; ديسمبر عامrlm;1948rlm; استقل محمود فهمي النقراشيrlm;(rlm; رئيس الحكومة ووزير الداخلية والخارجيةrlm;)rlm; سيارته الكاديلاك السوداء من فيلته رقمrlm;(9)rlm; شارع رمسيس في مصر الجديدة متجها إلي مكتبه في وزارة الداخلية وبجواره ياوره الخاص الصاغrlm;(rlm; رائدrlm;)rlm; عبد الحميد خيرت ومن خلفه سيارة حراسة خاصة بها ملازم ثان علي حباطي وكونستبل أحمد عبد الله شكري

بعدrlm;55rlm; دقيقة بالضبط وصلت السيارة إلي بهو الوزارة لينزل منها دولة الرئيس وسط حرس الشرف الذي أدي له التحية الرسمية سلام سلاح علي موسيقي البروجيrlm;..rlm; وفي الوقت نفسه تقدم أفراد حراسته ليفسحوا له الطريق أمام المصعدrlm;...rlm; وقبل أن يقترب من بابه بنحو مترين خرج من الناحية اليسري ضابط شرطة لم يلحظه احد برتبة ملازم أول يرتدي ملابس رسمية سوداء جديدةrlm;...rlm; كان يقف علي بعد خمسة أمتار قبل أن يتحركrlm;...rlm; وفي اللحظة التي فتح فيها الكونستبل جمال الكاشف باب المصعد ليدخل الباشا مد الملازم أول يده إلي جيب سترته الأيمن واخرج مسدسا من طراز برتاrlm;..rlm; وأطلق خمس رصاصات استقرت منها رصاصتان في جسم النقراشي فسقط فاقد النطق والحياةrlm;.rlm;

لقدكان آخر مكان يتوقع الرجل ان يقتل فيه وزارة الداخلية وسط ضباطه وجنودهrlm;...rlm; وهو نفسه ماحدث للرئيس أنور السادات في حادث المنصةrlm;...rlm; ان الجرائم السياسية الكبري التي يرتكبها ذلك التيار المغطي بلحاف التدين تكرر نفسها غالباrlm;.rlm; لم تمر سوي نصف دقيقة حتي اكتشفوا أن القاتل ليس ضابط شرطة وإنما طالبrlm;(rlm; أو عيل بلغة الإخوانrlm;)rlm; في السنة الثالثة بكلية الطب البيطريrlm;...rlm; اسمه عبد المجيد أحمد حسنrlm;...rlm; قيادي نشط في التنظيمrlm;(rlm; الجناحrlm;)rlm; العسكريrlm;(rlm; السريrlm;).rlm; وحسب وصف صحف تلك الفترةrlm;...rlm; فإن القاتل أسمر اللونrlm;...rlm; يتيم الأبrlm;..rlm; قصير القامةrlm;..rlm; مفتول العضلاتrlm;...rlm; غليظ الصوتrlm;..rlm; في الثانية والعشرين من عمرهrlm;...rlm; يسكن في حدائق القبة مع أمه إقبال حسني وأخوته محمد وهدي وفاطمة بعد وفاة والدهrlm;...rlm; وله شقيق ضابط في المدفعية متزوج ولا يقيم معهمrlm;...rlm; وقد انضم القاتل الي الجماعة وعمرهrlm;15rlm; سنةrlm;...rlm; وقبل الجريمة بعامين انضم الي التنظيم العسكري واقسم علي المصحف والسيف يمين الطاعة والولاء وكتمان السر مهما كانت المخاطر التي يتعرض لهاrlm;.rlm; بدأ النائب العام محمود منصور التحقيق معه في يوم الجريمةrlm;...rlm; كان متماسكا مثل غالبية المجرمين السياسيينrlm;...rlm; فقد اقنعوه بأنه شهيد مثواه الجنةrlm;...rlm; فأنكر وجوده في الجماعةrlm;...rlm; وأنكر وجود شركاء معهrlm;...rlm; وسرد قصة ملفقة عن شراء بدلة الضابط التي لبسها من وكالة البلح بثلاثة جنيهات ونصف الجنيه من عابر سبيلrlm;...rlm; وشراء المسدس بخمسة جنيهات من شخص في عين شمس لايعرفهrlm;...rlm; وكل ماحدث هو انه لبس البدلة وحمل المسدس واتجه الي وزارة الداخلية ليقتل رئيس الحكومة لأنه حل جماعة الإخوان فيrlm;8rlm; ديسمبر عامrlm;1948rlm; ويقف بالمرصاد ضد انتشار الدعوة الإسلاميةrlm;.rlm;

لم يغير القاتل أقواله طوال الفترة من يوم الجريمة فيrlm;28rlm; ديسمبر إلي يومrlm;11rlm; يناير التالي وبقي مصرا عليهاrlm;...rlm; لكنrlm;...rlm; في اليوم الأخير وقعت أكثر من مفاجأة جعلته يكذب نفسهrlm;...rlm; ويكشف الحقيقةrlm;...rlm; ويرشد عن شركائهrlm;...rlm; بل يبدي الندم علي مافعلrlm;...rlm; ويتمني من قلبه ألا يقع شاب فيما وقع فيهrlm;.rlm;

كانت المفاجأة الاولي صدور بيان من هيئة كبار العلماء في الأزهر يفند فساد الأسانيد الشرعية لقتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحقrlm;,rlm; وبصورة غير مباشرة وصل البيان إلي عبدالمجيد حسن وهو في زنزانته محبوسا علي ذمة القضية بسجن الاستئناف فبدأ يعيد النظر في قناعاتهrlm;.rlm;

لكن المفاجأة الصاعقة التي هزت كيانه تتصل بالمرشد العام للجماعة حسن البنا الذي أصدر بيانا تنصل فيه من كل الأعمال الجهادية التي قامت بها جماعته ووصف من قاموا بها بأنهم عابثون آثمونrlm;..rlm; بل أفتي علنا بأنهم ليسوا اخوانا وليسوا مسلمينrlm;..rlm; أرسل رأيه الي رئيس الحكومة الجديدة ابراهيم عبدالهادي في خطاب شهير نشرته الصحفrlm;..rlm; وبدا واضحا أنه كتبه بعد أن استشعر خطرا علي حياتهrlm;..rlm; فتصور أن الخطاب سينقذهrlm;..rlm; وهو مالم يحدثrlm;..rlm; فقد قتل بعد إرساله بشهر واحدrlm;..rlm; فيrlm;14rlm; فبراير عامrlm;1949..rlm; وكان هناك خطاب آخر يعلن فيه استعداده لتسليم الاذاعة السرية للجماعة وكل مافي مخازنها من أسلحة وذخائر للسلطات المختصةrlm;.rlm; لقد تنكر حسن البنا لما قامت به جماعته من أعمال سبق أن أقنع من قاموا بها بأنها جهاد في سبيل الله لتخليص المجتمع الاسلامي من قوي الشر والطغيانrlm;..rlm; وقال بالحرف الواحدrlm;:rlm; إن من الواجب علي أن أعلن أن مرتكبي هذا الجرم الفظيع وأمثاله من الجرائم لايمكن أن يكونوا من الإخوان ولا من المسلمين لأن الاسلام يحرمها والإخوة تأباها وترفضهاrlm;.rlm; وأضاف علي طريقة قتل القتيل ثم المشي في جنازتهrlm;:rlm; إن مصر الآمنة لن تروعها امثال هذه المحاولات الآثمة وستعاون هذا الشعب السليم الفطرة مع حكومته الحريصة علي أمنه وطمأنيته في ظل جلالة الملك المعظم علي القضاء علي هذه الظاهرة الخطيرةrlm;.rlm;

واستطردrlm;:rlm; وأني لأعلن أنني ساعتبر أي حادث من هذه الحوادث يقع من أي فرد سبق له اتصال بجماعة الاخوان موجها لي شخصيا ولايسعني إزاءه إلا أن اقدم نفسي للقصاص أو اطلب من جهات الاختصاص تجريدي من الجنسية المصرية التي لايستحقها إلا الشرفاء الأبرياء فليتدبر ذلك من يسمعون ويطيعون وسيكشف التحقيق ولاشك عن الاصيل والدخيل ولله عاقبة الأمورrlm;.rlm;

بعد نشر الخطاب شعر عبدالمجيد حسن أنه خدع مرتينrlm;..rlm; مرة عندما دفعوه إلي القتلrlm;..rlm; ومرة عندما تنكر الرجل الاول في الجماعة لما فعلrlm;..rlm; مرة عندما أقنعوه بأنه سيكون شهيداrlm;..rlm; ومرة عندما وصفه المرشد العام بأنه عابثrlm;..rlm; مستهترrlm;..rlm; غير مسلمrlm;..rlm; وليس منهمrlm;..rlm; فكان أن طلب النائب العام ليقول الحقيقةrlm;..rlm; وبدأت محاضر التحقيق تأخذ طريقا مختلفا وشهدت ذلك جلسات المحكمة العسكرية العليا في القضية رقمrlm;(5)rlm; لسنةrlm;1949(rlm; عابدينrlm;)rlm; التي حكمت بإعدامهrlm;.rlm;

لكنrlm;..rlm; يبقي السؤالrlm;:rlm; هل يعيد التاريخ نفسه أم أننا لانتوقف أمامه بما فيه الكفاية لنستوعب حوادثه وتجاربه ودروسه؟rlm;.rlm;