وولتر ايزاكسون - التايمز

تشترك كوندوليزا رايس في الكثير من الاشياء مع رفيقة روحها الجديدة وزيرة الخارجية الاسرائيلية تسيبي ليفني. فكلتاهما سيدتان حادتا الذهن، مؤمنتان بعقيدة يمين الوسط، وتتمتعان بمزيج غريب من الاستقامة الصارمة والبراغماتية. وكلتاهما تعملان تحت امرة رجلين تدنت شعبيتهما بسبب مسارات الحرب غير المتقنة (العراق بالنسبة لجورج بوش ولبنان بالنسبة لايهود اولمرت). وهما تدركان بأن هذه الهشاشة، مقرونة بضعف الرئيس الفلسطيني محمود عباس الأكثر حدة، قد أنضجت الظروف لوضع استراتيجية جديدة للسلام الاسرائيلي الفلسطيني.

والى الآن، لم تقد رايس أي مبادرات دبلوماسية طموحة جديدة على النمط الذي كان يقوده أسلاف وزيرة الخارجية الذين تكن لهم الإعجاب، مثل جورج مارشال ودين اتشيسون وهنري كيسنجر. لكن من شأن تحقيق سلام فلسطيني- اسرائيلي أن يحول جذرياً طبيعة الإرث الذي تخلفه. وكانت رايس قد أبلغت اصدقاء في واشنطن بأنها تنظر الى رحلتها الأخيرة الى المنطقة على أنها بداية جهد مطول وشخصي لتحقيق انفراج على هذا الصعيد.

كانت رايس وليفني قد بحثتا نهجهما الجديد في واشنطن في اوائل كانون الاول ndash;ديسمبر الماضي، ودأبتا منذ ذلك الحين على اجراء مكالمات هاتفية متكررة من وقت لآخر. وتقضي استراتيجيتهما بتنحية سياسة الخطوة إثر الخطوة التي تعود لخطة خريطة الطريق، والتي تشترط على الفلسطينيين تفكيك البنية الأساسية quot;للإرهابquot; لديهم قبل الشروع في أي مرحلة جديدة من المفاوضات، والقفز بدلا من ذلك إلى بحث مفاوضات الوضع النهائي مع الفلسطينيين المعتدلين حول ما عساه حل الدولتين ان يكون!! واذا تم التوصل الى اطار مناسب لإقامة دولة فلسطينية، فان عباس سيذهب الى شعبه ويطرح عليهم استفتاء: هل تريدون هذا الإطار ام لا؟ وهو مقتنع بأن اكثر من 70% من الشعب الفلسطيني سيقولون quot;نعمquot;. وسيتمكن بتلك الطريقة من تهميش مقاومي حماس. وسيفعل اولميرت الشيء نفسه، وربما يحصل بدوره على نفس النسبة من الدعم تقريباً.

تبدو الخطوط العريضة لاطار عمل حل الدولتين جلية وواضحة. فالكل يعرف انه سيكون في حدود بضع مئات من الياردات او نحو ذلك، حيث سترسّم الحدود، وحيث يمكن مقايضة مساحات متنوعة من الاراضي لتستطيع اسرائيل الاحتفاظ ببعض مستوطناتها الرئيسية التي تقع على جانبها من الحاجز الأمني الجديد. وربما تجري مقايضة بعض الاراضي الاسرائيلية التي تشتمل على بعض السكان العرب مع الفلسطينيين، لكن بوش سيقر ذلك في حال موافقة العرب الاسرائيليين المتأثرين عليه.

ويمكن التوصل الى حل وسط حول موضوع القدس وحقوق اللاجئين انسجاماً مع الخطوط العامة التي تم الإتفاق عليها في عام 2000، مع تخصيص صندوق دولي لتقديم حوافز للاجئين الفلسطينيين للعودة الى الدولة الفلسطينية الجديدة. ولا زالت ليفني تعقد اجتماعات هادئة مع شخصيات فلسطينية معتدلة ذكر انها تدعم هذه الفكرة.

وفي الاثناء، تواجه رايس وليفني على حد سواء متشددين في حكومتيهما ممن يريدون التمسك بخريطة الطريق، وجعل اي تحرك في عملية السلام مرهوناً بوقف الفلسطينيين للارهاب ولانتهاك وقف اطلاق النار. لكن ذلك يعطي حماس قوة quot;الفيتوquot; لوقف أي تقدم، وقد يتطلب ان تقدم اسرائيل على احتلال الضفة الغربية لأجل غير مسمى. وتقول ليفني بهذا الصدد quot;ان مبدأ الدولتين لا يمثل فقط هدية إسرائيلية للفلسطينيين، لكنه يشكل أيضاً تعزيزاً لمصالح اسرائيلquot;.

لقد انحاز بوش إلى جانب وضع اطار عمل الدولتين راهناً. وقدم لزوار البيت الابيض تحليله الخاص الذكي لوضع اولمرت السياسي الصعب، وكيف ان اولمرت وعباس، باتا يحتاجان على حد سواء إلى حدوث انفراج. أما ما بقي مسكوتاً عنه، فهو حقيقة ان بوش يمكن ان يحقق لنفسه انفراجاً أيضاً. ولعل ذلك هو السبب الكامن وراء ارساله رايس لبذل مثل هذا الجهد.

من الطبيعي الا يحل السلام الفلسطيني-الاسرائيلي متاعب اميركا في العراق. لكن رايس وليفني تعتقدان بانه سيخدم هدفاً استراتيجياً أوسع مدى. وهما تريان ان الانقسام الرئيسي في الشرق الاوسط يكمن بين قوى الاعتدال وقوى التطرف، وقد أفضى صعود ايران وعملائها المتطرفين إلى خلق تحالف محتمل بين الفلسطينيين المعتدلين والاسرائيليين وزعماء كل من الاردن ومصر والسعودية ودول الخليج.

الى ذلك، يقول سفير اسرائيل السابق لدى الولايات المتحدة دانيال ايالون، والذي يعمل الان على صياغة افكار لتحقيق مثل هذا السلام quot;ان ثمة تفاهماً متنامياً ينشأ بين الاسرائيليين والفلسطينيين والدول العربية المعتدلة، مؤداه ان التهديد الفعلي يتمثل في ايران والراديكالية التي تدعمها. ولذلك، فإنه من مصلحة هذه الجهات جميعاً ان يتم العمل الان من اجل التوصل الى حل شاملquot;.

وبغية خلق هذا التنسيق بين القوى المعتدلة في الشرق الاوسط، فإن رايس تريد لعمليتها السلمية الجديدة الاسرائيلية - الفلسطينية ان تتم انسجاماً مع الاقتراحات السعودية التي طرحت في عام 2002، والتي تنص على إقامة الدول العربية المعتدلة علاقات مع اسرائيل كجزء من حل الدولتين. وباستطاعة تلك الدول ان تكون ضامنة وراعية وممولة اذا ما تم التوصل الى اتفاقية سلام.

وفي الاثناء، يبدي اولمرت شيئاً من عدم الارتياح إزاء المشروع المشترك الجديد لوزيرة خارجيته. وقد أوضحت ليفني انها تريد ان تحذو حذو وزيرة خارجية سابقة لاسرائيل، وهي غولدا مائير، في ان تصبح رئيسة لحكومة اسرائيل يوما ما. ومع ذلك، فان بوش لا تعتريه مثل هذا القلق التنافسي حيال رايس. وإذا ما نجحت وزيرته في صناعة إرث شرق اوسطي غير الفوضى في العراق، فسيكون وكأنما هو الذي فعل ذلك.