سيمون تشسترمان - انترناشيونال هيرالد تريبيون

أفضت التلميحات المبكرة إلى ظهور بعض الأفكار القائلة بأن بان كي مون، الامين العام الجديد المعين للامم المتحدة هو رجل معتدل حيث هناك الكثير مما ينبغي الاعتدال بشأنه. لكن ملاحظات مشابهة كانت قد صدرت مبكراً حول كل الذين سبقوه إلى المنصب. وعلى أن عملية الاختيار المسيسة تجعل من المستحيل تعيين أمين عام قوي، إلا أن هناك بعض المؤشرات على أنه يمكن صناعة رجل كهذا.

الامين العام الجديد للامم المتحدة الذي كان ذات يوم موظفا مدنيا وتحول الى الدبلوماسي الاول في العالم، يعتبر شخصية فريدة من نوعها في عالم السياسة. فهو خادم لمجلس الامن التابع للامم المتحدة والقائد الاعلى لقوات حفظ السلام البالغ عددها 100.000 جندي. وقد كان من شأن التوتر الناجم عن تناقض هذين الدورين، بين ان يكون المرء أمينا عاما او جنرالا، أن يشكل تحديا لكل من شغل هذا المنصب. وكان الأمين العام الاول النرويجي ترايغف لاي (1946-1952) قد رحب بخليفته في مطار ايدلوايلد في نيويورك على نحو قمين بالتذكر بقوله quot;إنك على وشك الاضطلاع بأكثر المهمات استحالة في الكرة الارضيةquot;.

الى ذلك، يعرف ميثاق الامم المتحدة شاغل المنصب بأنه المسؤول الاداري الرئيسي لمنظمة الامم المتحدة. وفي نفس الوقت، يمنح الامين العام استقلالا مؤسساتيا وشخصيا ملحوظا.

وتشكل السكرتاريا العامة التي يتولاها الشخص المعني في حد ذاتها عضواً حيوياً رئيسياً، حيث يعمل الأمين العام وفريقه كمسؤولين دوليين مسؤولين امام الامم المتحدة فحسب. كما يتم منح الامين العام صلاحية واسعة تضمن قدرته على استرعاء انتباه مجلس الامن الدولي الى التهديدات التي تحيق بالسلام والامن الدوليين. وقد اعتمدت الطريقة التي تم فيها الوفاء بهذه المسؤوليات في العقود الستة الماضية على السياسات بنفس قدر اعتمادها على الشخصية.

أفضت الحرب الباردة إلى الحد بإفراط من دور الامم المتحدة في قضايا سلام وامن رئيسة. ومع ذلك، وفرت تلك الحرب في حينه فرصة لوزير سويدي مغمور هو داغ همرشولد

quot;1953-1961quot; لينحت حيزاً مستقلاً يستطيع الأمين العام من خلاله ان يمارس ما كان قد دعاه quot;نشاطا دبلوماسيا غير رسميquot;.

ومع أن نهاية التناحر بين القوى العظمى وفرت احتمالات وممكنات أكبر للأمم المتحدة، إلا أن توقعاتها المدارة بشكل سيئ إضافة إلى طريقة بطرس بطرس غالي quot;1992-1996quot; القائمة على الكشف أفضت الى نجوم أزمة ثقة.

اما خليفة بطرس غالي، وهو كوفي انان(1997-2006) فقد عين تحديدا لانه كان من الأشخاص الموجودين في الداخل، وهو تكنوقراطي وصديق لواشنطن. ويجب ان تكون الطريقة التي اوصل فيها صوته بخصوص قضايا مثل التدخلات الانسانية والتنمية بمثابة تحذير بالتمهل قبل اصدار احكام مبكرة على بان.

لعل من القضايا المركزية بالنسبة لكل امين عام للامم المتحدة هي المدى الذي يستطيع الوصول إليه في انتهاج مسار مستقل عن الدول الاعضاء التي عينته. وكان منتقد روسي سابق للامين العام، وهو نيكيتا خروتشوف، قد استبعد مجرد فكرة قيام موظف مدني دولي بتقمص دور quot;العزوبية السياسيةquot;، كما قال همرشولد بينما يعبر عن رؤياه فيما يتعلق بمثل هذا الشخص تحديداً إنه من الممكن ان يكون أعزب سياسيا، ولكن دون ان يحتفظ بعذريته السياسية. اما يو ثانت (1961-1971) الذي اصبح امينا عاما للامم المتحدة بعد مقتل همرشولد quot;1972-1981quot; في حادث سقوط طائرته في الكونغو، فقد كان اكثر اعتدالا في خطابه السياسي، واكد على سلاسة العمل في الامانة.

ومع أنه غالبا ما تتم مقارنة quot;بانquot; بـ quot;يو ثانتquot;، إلا أن كورت فالدهايم (1972-1981) كان اكثر تحفظا في تأكيد نفسه، وقد وصفه أحد الإسرائيليين في مؤتمر عن السلام في الشرق الاوسط بانه quot;يتجول وكأنه رئيس الندل في مطعمquot;.

اما آخر امين عام في حقبة الحرب الباردة، وهو خافيير بيريز دي كويلار(1982-1991)، فقد حافظ بدوره على الحد الأدنى من عكس وجهات نظر مكتب الامانة العامة للامم المتحدة، في نفس الوقت الذي ارسى فيه اسساً اكثر نشاطاً لها من خلال لعب دور وساطة في الحرب العراقية الايرانية.

وبالرغم من ان بان كي مون قد عين من قبل 192 حكومة، فإنه لا يتمتع بتفويض ديمقراطي، ولا يستطيع اتخاذ قرارات تخص السبعة بلايين شخص المدرجين في ميثاق الامم المتحدة تحت مسمى: quot;نحن شعوب الامم المتحدةquot;.

وفي الاثناء، يبقى المنصب مع ذلك موقعاً فريداً، والذي يتم منه تعزيز قضايا تتسامى فوق المصلحة الوطنية، وكذلك تحريك المواقف وتجميع الموارد لحل الأزمات التي تنجم عن إرادات سياسية غير فعالة. وحتى لو لم يستطع فرض القرارات الصائبة عندما يصطدم بحكومات مترددة، فإنه يظل من بين مهمات quot;بانquot; أن يجعل من الاصعب على المجموعة الدولية اصدار قرارات خاطئة او عدم اتخاذ اي قرار على الاطلاق.