سعد محيو

الصهيونية شاخت، لكنها لن تموت بسرعة. وهذا لسببين:

الأول، لأن بديلها العقلاني، وهو الهوية ldquo;الوطنيةrdquo; ldquo;الإسرائيليةrdquo;، يبدو مشروعاً مستحيلاً حتى الآن، فيهود ldquo;إسرائيلrdquo; يهود اولاً، ويهود ثانياً، ويهود ثالثاً، قبل أن يكونوا ldquo;إسرائيليينrdquo;. وهم ينتمون إلى التاريخ الديني العالمي اليهودي لا إلى التاريخ القومي ldquo;الإسرائيليrdquo;. وبالطبع، مع مثل هذا الانتماء، من غير الوارد قبول فكرة المساواة في المواطنة مع عرب فلسطين 48.

والثاني، أن ثمة مصالح ضخمة قيد العمل في المؤسسة الصهيونية، تبدأ من تركيبة الدولة والجيش داخل ldquo;إسرائيلrdquo; وتمتد إلى الدياسبورا اليهودية العالمية ذات الغنى الفاحش الذي قد لا يكون له سابق في تاريخ الأقليات.

في ظل غياب أي بديل قابل للحياة عن الأيديولوجيا الصهيونية، لا يبقى سوى انتظار المزيد من العنف من جانب هذه الاخيرة في صراعها من أجل البقاء. وهذه حصيلة تبدو أشبه بالمسلمات لدى العديد من المفكرين والمحللين ldquo;الإسرائيليينrdquo;.

المؤرخ ldquo;الاسرائيليrdquo; الشهير بيني موريس، واحد من هؤلاء. وهو كان أول من كشف( في كتابه ldquo;ولادة مشكلة اللاجئين الفلسطينيينrdquo; 1987) عن الظروف الدموية الحقيقية التي احاطت بولادة ldquo;إسرائيلrdquo;، مؤكداً قيام الصهيونيين بأعمال التطهير العرقي منذ العام ،1948 واستنادهم المطلق بعد ذلك إلى مفهوم القوة في التعاطي مع العرب والعالم.

والأهم أن موريس يرى أن المشروع الصهيوني نفسه حول الدولة اليهودية إلى ldquo;فكرة مستحيلة تتسبب في دمار مستمرrdquo;، برغم انه يمحضها ldquo;أحقية أخلاقيةrdquo; بسبب الحاجة الى حل معاناة اليهود.

ألموتي غولاني كاتب آخر، وصل في مؤلفه ldquo;الحروب لا تحدث هكذاrdquo; إلى استنتاج أن الايديولوجيا الصهيونية حركة تقوم برمتها على الحاجة إلى القتال والتوسع خارج حدودها، من دون أدنى اهتمام بالمصالح القومية ldquo;الإسرائيليةrdquo;.

ثم هناك لنفتالي غولومب، الذي كان أول من تنبأ بنشوب الانتفاضة الفلسطينية العام ،2001 والذي شدد في دراسة بعنوان ldquo;إجابات ممكنة على وضع مستحيلrdquo; على أن في أساس الحركة الصهيونية ldquo;تكمن حاجة لتخويف أولئك المحيطين بنا والذين نعيش بين ظهرانيهم، ومرة أخرى من دون أن يكون لذلك علاقة بالمصالح الرئيسية ل ldquo;إسرائيلrdquo;rdquo;.

ويضيف غولومب: ldquo;السياسات الراهنة يمكن أن تقود الى حروب دائمة ستؤدي في النهاية إلى نهاية الصهيونية نفسها ومعها ldquo;إسرائيلrdquo;rdquo;.

كما هو واضح، القاسم المشترك بين هذه النصوص الثلاثة هو تركيزها الشديد على أن ما هو في صالح الايديولوجيا الصهيونية، ليس بالضرورة في صالح اليهود أو الدولة اليهودية.

وهذا، إضافة الى الدراسات ldquo;الإسرائيليةrdquo; العديدة حول الجذور الحقيقية للصهيونية ولما بعد الصهيونية، يخلخل المبرر الأكبر والأهم الذي قامت على أساسه الصهيونية: إنقاذ اليهود من خلال إقامة دولة يهودية خاصة بهم.

فإذا ما كانت الصهيونية مندفعة بزخم أيديولوجي داخلي إلى التوّسع والحروب الدائمة، بغض النظر عما إذا كان هذا يفيد مشروع الدولة اليهودية أم لا، يكون اليهود أنفسهم الذين تخاض باسمهم الصراعات هم وقود هذا الاندفاع وضحاياه. وإذا ما كانت الصهيونية عاجزة عن التعايش مع الجيران، لن يكون أمام اليهود الذين رفعت هي شعار إنقاذهم سوى شن الحروب الدائمة التي ستسفر في النهاية (كما يقول غولومب وغيره) عن الدمار. الصهيونية في أزمة بسبب حرب لبنان والفساد والشيخوخة.

شدوا الأحزمة، الحروب الصهيونية الجديدة آتية لا محالة.