خيري منصور

هل من المعقول أن تقبل أمة لها هذا التعداد وهذا التاريخ وهذه المساحة بأن تنصرف عن السكين الذي يقطع أوصالها. لتستغرق في السجال حول تقنية الإعدام؟ هل فصل رأس برزان عن جسده أم لم يفصل؟ وهل تلقى صدام لكمات على جبينه بعد الشنق أم أن هذا لم يحدث؟ وأين سيدفن عواد البندر؟ وما الذي قالته القبيلة؟

أهذا كل ما يجري الآن على هذه الجغرافيا النازفة والتي تتكسر عظام أهلها تحت الدبابات والجرافات؟

أهذا هو الحل السحري للتخلف ومحاولة حرق المراحل للحاق بالعصر وتسديد المديونيات على اختلاف أشكالها؟

إن لدينا ألف قرينة وقرينة للاستنتاج بأن ما تستهدفه الميديا على اختلاف النوايا هو زجنا في تابوت بسعة قارة، ومن حق أي عربي لم يصب حتى الآن بالايدز السياسي والسل الدماغي أن يصرخ ويهز قبضته في وجوه هؤلاء جميعاً.

كفى تنكيلاً بعقولنا، وكفى استخفافاً بدمائنا، فنحن لسنا آخر البدائيين الذين يتم توزيعهم بين الكاميرات والمتاحف والأرشيف العرقي.

إن تحويل المحاكمات الى مسلسلات تلفزيونية مشبعة بالدراماتيكية هو سخرية من التاريخ قبل أن ينال من القانون والأعراف والتقاليد.

فهل يراد لنا الآن ونحن نترنح في هذا الطابور الطويل أمام المسلخ أن نناقش تقارير الشنق. ونقرأ كتباً عن العمود الفقري وعظام الرقبة، ونعود الى ما سمي أيام العرب في الجاهلية كي نردد بأن لنا الصدر دون العالمين او القبر؟ أو أنا من غزية إن غزت غَزَوْت؟

هل تسقط ثقافة مرقعة كثوب مهلهل في المفاضلة بين أنف الناقة وذيلها؟

إننا نشعر بما هو أكثر من الخجل، وبأضعاف ما يسمى الجرح الأخلاقي ونحن نسمع ما نسمع، فنود مع ذلك السلف الذي ضاقت روحه بزمن كهذا الزمن، لو أننا حجارة ولو أننا أشجار هرمت وانتهت الى رماد في المواقد.

هل هذا هو كل ما انتهى إليه عقد عربي من التساؤلات والمساءلات حول الفجوة العلمية بيننا وبين الآخرين؟

من منا كان يتصور بأن كل ما قيل وكتب قبل عشرين سنة سينتهي الى هذه الحفلة التنكرية التي نتبادل فيها الأدوار مع كائنات نعف عن ذكر أسمائها وأنواعها والغابات التي تعيش فيها؟

إن هذه القسوة المسرحية والسادية السياسية متعددة الأقنعة، هي منتج ثقافي بامتياز لواحدة من أردأ مراحل التاريخ، لأن التخلف فيها تحالف مع الانترنت علينا، ولأن الحروب الحقيقة والطويلة وغير المتواطأ عليها لم تحدث إلا بين الاخوة الأعداء.

لقد شبعنا من التصنيف الرعوي، والحكم على أحدنا من خلال آخر شخص شوهد معه أو شرب معه فنجان قهوة، وأتخمنا من هجائيات لا تليق على الاطلاق بمزاعم التمدن والحداثة، والاقلاع عن الكهف.

أما آن لهذه الكوميديا أن تتوقف؟ فهي لم تعد مضحكة ولا حتى مبكية، انها مملة، ولها جوف بسعة هاوية، يعتاش على أيامنا المترعة بكل هذا الشقاء.

أليست ذروة الكوميديا أن نتلهى بتقنية الموت عن الموت؟