عبد الله اسكندر

ثلاث أزمات عربية مفتوحة على كل الاحتمالات، في فلسطين ولبنان والعراق. هذا اذا لم نتحدث عن ازمة رابعة في الصومال. يتعلق كل من هذه الازمات بنزاع على الشرعية والسلطة، ومن اجل تثبيت غلبة سياسية. وفي الازمات الثلاث، تكرر العناوين ذاتها تقريبا. الوفاق الوطني او الاستئثار، حكومة الوحدة الوطنية والانتخابات، تغليب المصلحة الوطنية وخدمة اهداف خارجية الخ... أي أن طبيعة الازمة تتعلق بخيارات متعارضة للقوى المتناحرة، الى الحد الذي يبدو معه ان الانقسام يتناول مفهوم الوطن وتحديد معنى مصالحه العليا التي يفترض ان تكون القاسم المشترك للجميع، وان يكون النزاع السياسي تحت سقفها. فلا تطيح انتخابات أسس الوطن وتعيد النظر في معنى المصلحة العليا المشتركة. فتكون تحمل في جوهرها معنى الانقلاب بدل ان تكون وسيلة لتدعيم الوطن وضمان التناوب على إدارة الدولة.

وأظهرت التطورات في كل من هذه الأزمات مأزق الحل الداخلي لها. ليس لضعف بنيوي في القوى المحلية المتعارضة، وإنما لغياب المحكات المحلية التي تضبط العمل السياسي وتمنع تحوله، في لحظة ما، الى انقلاب. وهي التهمة التي تتبادلها يوميا هذه القوى. فمن في السلطة ينظر الى أي تحرك معارض على انه محاولة انقلابية. ومن في المعارضة يعتبر ان السلطة انقلبت على معنى تكليفها الانتخابي.

في لبنان وفلسطين ما زال العنف يأخذ شكل المواجهة مع اسرائيل، لكنه يهدد وبقوة بالانتقال الى الداخل. في حين انه في العراق بات واقعاً يومياً، يكرس التباعد والانشقاق والقطيعة الداخلية. وتأخذ المساعي الخارجية للحل، خصوصاً من الجامعة والدول العربية الفاعلة، معنى المساعدة وتقريب وجهات النظر لدى هذا الجانب، والتدخل ونصرة فريق لدى الجانب الآخر. ما يعطل القدرة على التأثير في المعادلة الداخلية التي تراوح مكانها. رغم الاضرار الكبيرة التي تلحق بالجميع. وذلك بفعل سير الانقسام الداخلي على خطى الانقسام الاقليمي، كما يتمثل في الوضع العراقي والتأثيرات الاميركية والايرانية فيه. وكما يتمثل في لبنان والاراضي الفلسطينية اللذين يتأثران بالمواجهة مع اسرائيل.

هذا الخط الوهمي للانقسام يجعل من معارضة التدخل الايراني في العراق على انه يقع ضمن التساهل مع التدخل الاسرائيلي في لبنان وفلسطين. فترتد المواقف من مسار الحرب الاهلية في العراق على انها خيانة في المواجهة مع اسرائيل. ويُجر النزاع المذهبي في العراق على الازمة في لبنان، وتصبح الغالبية الحكومية فيه مجرد حاضنة لهذا النوع من النزاع، بغض النظر عن كل التطورات التي أدت الى الانفجار الاخير فيه.

وفي محاولة الاستنجاد بالوضع الاقليمي، تتجه الانظار الى دمشق التي تشق لنفسها محوراً عربياً خاصاً متحالفاً مع طهران. وتوضح تجربة الجامعة العربية في لبنان وتجربة مصر مع الفلسطينيين ان المشكلة ليست فقط استحالة الحلول من دون سورية، وإنما ايضاً في كون المطالب السورية تشكل بعداً اضافياً لهذه المشكلة. ولم يستطع الامين العام للجامعة عمرو موسى، رغم تمسكه بأخذ هواجس دمشق في الاعتبار من تليين الموقف السوري من الحل في لبنان. ولم تنته زيارة الرئيس العراقي جلال طالباني، رغم رغبته الاكيدة باستعادة علاقات طبيعية مع سورية، الى ما يمكن اعتباره اختراقاً حقيقياً في المصالحة العراقية. كما انه من غير المتوقع ان ينجز الرئيس محمود عباس اختراقاً في حكومة الوحدة الموعودة.

وفي هذا المعنى، لا يزال الاستفراد الاقليمي المتصدي لحل الأزمات يحول دون الوصول الى ترتيبات داخلية قادرة على حمل الحلول.