22 يناير 2007

خيري منصور


الوصف الذي قدمه وزير الدفاع الأمريكي جيتس للمشهد العراقي يحوّل هذا المشهد إلى مثلث رعب، فهو صعب وشاق وطويل، هكذا تكلم وريث الحرب الذي قد يجد نفسه في المدى المنظور وقد وقع في الفخ ذاته الذي وقع فيه سلفه رامسفيلد. فالوزير الجديد ليس خير خلف لذلك السلف، لأن الأمر ليس بيده، كما أنه لم يعد حتى بيد رئيسه الذي انتهت أخماسه المضروبة بأسداسه إلى تلك الخطة التي بدت كما لو أنها طبعة جديدة من كتاب قديم، لكن بورق أشد صقلاً وغلاف أشد إثارة.

والأرجح أن الوصفات المتعاقبة للعثور على مخرج من هذه الأزمة ستنتهي جميعها إلى ما يشبه القبض على الماء أو الهواء، والاستراتيجيات ليست عقاقير أو مضادات حيوية، إنها أحياناً تضاعف الأخطاء السابقة من حيث تحاول الاستدراك، فما لم يلامسه الرئيس الأمريكي بعد هو جذر المسألة لأنه يتهرب مع طاقمه من الإجابة عن سؤال بالغ الوضوح، ويسعون إلى القفز إلى الأمام، متجاهلين الهوة السحيقة والفاغرة التي يجازفون بالقفز فوقها.

إن تغيير وزير دفاع أو أي جنرال آخر قد لا يغير من الأمر شيئاً، فالقضية لم تعد قضية تقنية أو تجريب مفاتيح جديدة في قفل قديم، وما يجب الاعتراف به هو أن خيوط اللعبة قد أفلتت من القبضة التي بدأت واثقة، وراهنت على نصر سريع محتم.

إن ما يطالب به الرئيس بوش جيران العراق وبالتحديد من يوصفون منهم بالمعتدلين لمساعدة حكومة المالكي، يأتي ضمن سياق تحذيري، فهو يطالب بعض الدول العربية بمساندة الحكومة العراقية كي لا تصبح هذه الدول مجالاً حيوياً للإرهاب أو للقوى المتطرفة.

وهذا بحد ذاته يفتضح ذهنية سياسية تعاني من فائض براغماتي، لكنها تريد إفهام حلفاءها أو من تسعى لكي يكونوا حلفاءها بأن المطلوب منهم فعله هو من أجلهم، وليس من أجل الولايات المتحدة.

ومعظم ما صدر عن الرئيس بوش منذ اعترافه قبل فترة بأن الدراما الفيتنامية ليست بعيدة عما يحدث في العراق هو تأكيد متواصل على النصر الناقص، والحرب التي لم تضع أوزارها وقد لا تضعها على الإطلاق إذا لم تكن هناك إعادة نظر نقدية لجملة من المواقف، فأحياناً لا يكفي الاعتراف بالخطأ إذا لم يعقبه تصويب واعتذار ونقد ذاتي، لكن من أخذتهم العزة بالإثم حولوا الأخطاء إلى خطايا، وحاولوا المداواة بالتي كانت هي الداء.

لهذا لن يجترح الطاقم الجديد المعجزة، وتوقعات الوزير جيتس بأن الشهرين القادمين سيكونان مجالاً لاختبار الاستراتيجية الجديدة قد تضاف إلى سلسلة التوقعات والرهانات الأمريكية التي أثبت الواقع بطلانها، لأن العواصف هبت بما لا يشتهي الأسطول.

وقد يكون هذا التعويل المبالغ فيه على الحكومة العراقية كي تقطع النهر بكامل حمولتها محاولة أخرى للبحث عن مخرج من الأزمة، لكن من ألقي في البحر ويطلب منه ألا يبتل بالماء.. والدم أيضاً لن يفي بالوعد.