جميل الذيابي

معركة جديدة تخوضها الجاليات المسلمة المقيمة في بعض الدول الأوروبية، في محاولة لثني تلك البلدان عن قراراتها القاضية بالتخلي عن لبس الرموز الدينية في المؤسسات الحكومية والمدارس التعليمية. ولا تخلو من الصحة تبريرات الأوروبيين، انهم لم يفكّروا يوماً في أنهم ربما يضيّقون مساحة الحريات على مواطنيهم، إلا ان الممارسات laquo;العدوانيةraquo; الوافدة مع بعض الجاليات المسلمة اللاجئة إلى تلك البلدان، كانت سبباً مباشراً وراء سنّ قوانين وتشريعات جديدة لمواجهة تلك الممارسات الموصوفة بـ laquo;الخطرةraquo;.

لقد رفع الأوروبيون شعار التنقيب عن المنقبات والمحجبات في فترة ما يعرف بالحرب على الإرهاب، ودعوهن علناً إلى التكيف مع حضارة وثقافة وطبيعة بلدانهم laquo;المفتوحةraquo;، من خلال حظر لبس الرموز الدينية، لمحاصرة المتطرفين والخارجين على القانون الذين يُعتقد أنهم يتبنون أفكاراً تشكّل خطورة على بلدانهم. ويعتقد البعض ان القرارات الغربية بمثابة تراجع عن مسار الحريات الشخصية الذي تميزت به بلدانها على دول العالم الثالث، فيما يرى فريق ثان ان تلك القرارات رد فعل لمحاولات مسلمين متطرفين شن هجمات ضد مواطني الدول الاوروبية والقاطنين فيها، عبر استغلال الحريات المتاحة. فيما يعتبر فريق ثالث ان مثل هذه الإجراءات الغربية ضرورية وملحّة في ظل تزايد المد الإسلامي، خصوصاً في ظل الفترة العصيبة التي يشهدها العالم، وفي وقت لوّح فيه أئمة مسلمون يقطنون دول الغرب بخطب نارية ضد طريقة الحياة والمعيشة والانفتاح الغربي، وهم أوائل المستفيدين والمقتاتين من تلك القوانين، ما اعتبر تدخلاً laquo;غير مبررraquo; في شؤونها، يستدعي طردهم إلى بلدانهم الأصلية.

قضية النقاب الإسلامي، أطلّت بعيونها على الشارع البريطاني أواخر العام الماضي كقضية رأي عام، لتضع قانون الحريات الشخصية ما بين مطرقة سيادة القانون وسندان النتائج العكسية، في ظل وجود إسلاميين يحاولون استغلال تلك الحريات للهروب من العدالة والقانون.

وتصاعدت حدة المطالبة بحظر النقاب بعد أن اكتشفت الشرطة البريطانية أن مصطفى جمعة، احد أفراد عصابة متهمة بقتل الشرطية شارون بيشينفتسكي في تشرين الثاني (نوفمبر) 2005، تمكّن من تضليل العدالة، بعد ان تخفّى بزي امرأة ووضع نقاباً على وجهه لا يظهر سوى العينين، ليعود إلى بلاده الصومال عبر استخدام جواز شقيقته، وهو ما دعا أسقف روتشيستر التابع لكنيسة إنكلترا، إلى لفت الانتباه إلى أنه ينبغي تبني تشريع لمنح بعض المسؤولين صلاحية إزالة النقاب الذي ترتديه بعض المسلمات.

لا شك ان البحث عن سنّ تشريعات تمنع استغلال الحريات الشخصية، للحيلولة دون قيام الجماعات المتطرفة بعمليات مشبوهة أمر مبرر، لكن الإعلام الغربي على الجانب الآخر يشنّ هجمات ومزاعم laquo;تضليليةraquo;، لتبدو جزءاً من مشهد لصراع الأديان والحضارات، خصوصاً بعد ان أساءت تلك الوسائل الإعلامية إلى الدين الإسلامي ورسوله الكريم، من دون تقديم اعتذار صريح، وهو ما يعني ان المشهد يتجاوز الالتزام بالسمات السلوكية الحضارية إلى الرغبة في تشويه الصورة الإسلامية, وقد يتجاوز الأمر في المستقبل إلى أبعد من ذلك، كالتحذير من الكباب والشاورما!

الأكيد ان في دول الغرب محتالين ومتطرفين مثلما في الدول العربية والإسلامية، وهناك من يتعدى الحريات المتاحة، ويخرج على القوانين والدساتير علناً، لكن ما يجب الحفاظ عليه هو عدم التدخل laquo;القسريraquo; المؤلم بحق العرب والمسلمين.

وهنا لا بد من ان تعود الذاكرة إلى الأشياء التي تميز القاهرة عن غيرها من العواصم العالمية، الطريقة التي تباع بها الجرائد، حيث يردد باعتها في الشوارع أسماء ثلاث صحف بصوت عال (أخبار، أهرام، جمهورية)، فلربما تستنسخ دول الغرب الطريقة المصرية البدائية لتصبح ذات ماركة عالمية، لتردد الشعوب الغربية وربما نحن خلفها laquo;إرهاب، حجاب، كبابraquo;.

وأخشى ان يأتي يوم تحتدم فيه المعركة بين الشرق والغرب بسبب الكباب، بعد انتهاء مرحلة الحرب على الإرهاب، والتجاذبات بسبب الحجاب والنقاب!