سوسن الشاعر
بعد انتهاء خطبة الجمعة، وبعد دعاء ختمه أمام الجامع بالالتفاف والوحدة بين المسلمين تجنباً للفتنة وبالتذكير بأننا شيعة وسنة إخوان، وقف أحد الشباب معترضاً ومتهمًا الخطيب بأنه منافق مفضلاً 200 دينار عوضاً عن غيرته على دينه، ومستنكراً أن يقال: إن الشيعة إخوة للسنة لأنهم على حد قوله يسبون الصحابة فلا صلح معهم و لا مهادنة!!
صحيح أن المصلين طردوا هذا الشاب من المسجد وسرت همهمات بينهم بأن رؤوس الفتنة تطل من جاهل كهذا الذي كان قبل عدة سنوات شاباً منحرفاً تدين مؤخراً ومثلما كان متطرفاً في انحرافه تطرف في تدينه، إنما كم من المساجد يتوفر فيها مصلون شجعان مثلما توافر لهذا المسجد! يذودون عن لحمتهم الوطنية ويحمون أمنهم وسلمهم؟ فحماية الأوطان و السلم الأهلي مهمة لا تترك للاجتهادات الفردية أوالمبادرات الشعبية فحسب، إذ قد تخطئ بوصلة تلك الاجتهادات وتزيد الأمر سوءاً، أو يساء تفسيرها، و تقود لفتنة تهدد الأمن والسلم الوطني، فتلك مهمة لا تناط إلا للدولة، فإن ضعفت أووهنت ولم يبدر منها ما يشير إلى هيبتها وتقاعست عن أداءها فإن كل جاهل كهذا سيتطاول وسيجد هو وغيره متنفساً رحباً يحرقون فيه الأخضر واليابس فلا ينفع البكاء على لبن سكبناه بتهاوننا، بل إن ضعف دور الدولة وعدم وضوح سياستها الرادعة يفسر على أنه رضاً وقبول مما يشجع كل طرف على التمادي.
ما لم يـــحدد النظـــام موقفه تجاه هذه الرؤوس بوضوح وبلا لبس و بحزم وقوة من كلا الطرفين، من فرد منها أو مؤسسة، سنية أو شيعية، ومـــن بــــداية اطلالتـــها بأي صورة، و يفرض هيبـــة الدولة بالقانون عليها، فإن المتصيدين سيعدون ذلك ضلوعاً للنظام في هذه الفتنة وذلك ما لا نرضاه له.
رؤوس الفتنة لا تحتاج إلا لتغاض من الدولة كي تطل بفتنتها، المتصيدون..، أصحاب الاجندات..، المتطرفون..، الجهلة المتحمسون..، كــــل هؤلاء يتحـــينون فـــرصة غــياب هيبة الدولة وتهــــاونها في الــــردع ليسرحــــوا ويمرحــوا في أمنها وسلمهـــا الأهلــي، فلا يلـــومن الدولـــة أحد إن هي تهاونت وغضت الطرف خاصة في ظل ظروف كظروفنا في البحرين.
فهذا الشاب ما كان سينطق علناً أمام رؤوس الأعيان لوعلم أن قولاً كهذا ستحاسبه عليه الدولة إنه تحريض سافر على الإخلال بالأمن مضى و كأن شيئاً لم يكن، ولا نقف عند هذا المتهور بل هناك سلوكيات يومية تعطي مؤشراً لمناخ يشجع أمثال هذا يمارس في صحافتنا وفي جمعياتنا وفي منابرنا تدل على ضعف الدولة وضعف هيبتها.
مالم يتيقن أي نظام سياسي بأن أمنه من الأمن الأهلي وسلامته من السلم الأهلي وبأن أكبر خطر يتهدده هو الاخلال بهذا الأمن فإنه نظام يلعب بالنار ويقامر على سلامته.
التعليقات