23 يناير 2007

محمد خلفان الصوافي

يدرك المراقب للصراع المذهبي في العراق أن القضية لا علاقة لها بالدين بل المشكلة أساسها سياسي، سواء الآن أو من قبل. وهذا ما أكده أغلب رجال الدين الإسلامي المعتدلين وتثبته الوقائع على الأرض العراقية؛ حيث عاش الشعب العراقي وشعوب المنطقة، كأفراد، قروناً على مرتكزات التسامح الديني، وفي السلوكيات اليومية نشاهد ذلك الاختلاط العائلي في العراق على الأقل. ويدرك المتأمل لهذا الصراع أن إشكالية العلاقة بين quot;إيران الشيعيةquot;، ودول الجوار الخليجي العربي ذات الغالبية السنية، تلعب دوراً مهماً في إذكاء الطائفية المذهبية في المنطقة، حيث تعمل إيران على الخلط بين البعد المذهبي والبعد السياسي في إدارة العلاقة.
هناك جملة من التطورات حصلت في المنطقة أنعشت الشيعة معنوياً وسياسياً في كل أنحاء المنطقة وأدت إلى الإخلال بالتوازن الطائفي في المنطقة، فالعراق وبنظامه السياسي السني كان يشكل مع إيران الشيعية توازناً طائفياً، ولكن التغير الذي حصل في عام 2003 بإسقاط النظام العراقي أدى إلى quot;صحوة شيعيةquot; للسياسة الإيرانية لاستغلال الفرصة، قبل تحقيق الاستقرار، ما أدى إلى الإحساس بالغبن من السنة وأجج الصراع الطائفي في المنطقة. والتطور الآخر وهو مرتبط أيضاً بالصحوة الشيعية في المنطقة، حيث حقق الشيعة نجاحات كثيرة في المنطقة، أبرزها صمود quot;حزب اللهquot; اللبناني أمام إسرائيل، مما أدى إلى إيقاظ المخاوف الكامنة من تمدد الشيعة.
ومع استمرار التطورات السياسية المعقدة في المنطقة، ارتفعت أصوات بعض رجال الدين الشيعة، وهم أنفسهم رجال سياسة، لتغذية هذا الصراع الجديد القديم وإيقاظه حتى بات على وشك أن يتحول الأمر إلى quot;فتنةquot;، ولكن لم يظهر من الجانب الشيعي الإيراني من يؤكد على التوافق بين المذهبين على خلاف ما يدعو معظم رجال الدين السنة.
صوت العقلاء من الجانبين، الآن، مهم لتهدئة ما يلوح في الأفق من خطر، لكن المشكلة تكمن في أن المسألة ليست دينية بل سياسية. لذا لم يكن غريباً أن يفشل في وقت سابق quot;مؤتمر مكةquot; حيث كان يعتقد الكل أن عوامل نجاحه أكبر من فشله، ولم تنفع روحانية المكان (الحرم) ولا الزمان quot;شهر رمضانquot;، في التقريب بين غلاة المذاهب، لأن الرغبة الحقيقية لإزالة سبب المشكلة غير موجودة، ولأن المشكلة ليست دينية، ولأن الحوارات والتصريحات المتكررة بوجود عوامل الاتفاق أكثر من عوامل الاختلاف هي quot;حديث دبلوماسيquot; حيث الخلافات والاختلافات عند السياسيين تكون مفيدة، في كثير من الأحيان.
ليس صحيحاً أن الصراع الحالي بين السنة والشيعة ينطلق من التباين المذهبي ما يعني أن ما يظهر الآن لا يعدو أنه استغلال للمشاعر الدينية للاستقواء السياسي والحصول على ميراث الحكم في العراق وغيره لهذا الطرف أو ذاك، باعتبار أن الدين هو بوابة مغرية للحصول على أي شيء.
إيران هي من أيقظت الفتنة الطائفية الآن بسبب سياساتها في العراق، وبسبب تدخلها في بعض الدول العربية بالعمل على نشر التشيع في دول ذات أغلبية سنية، وهو أمر خطير لا يمكن لشيعي أو سني إنكاره. وما هو أخطر من ذلك كله، ويثير القلق والخوف ويدعو إلى التحذير منه، هو تلك الفتاوى التي تصدر من الجانبين وتصل إلى حد التحريض الموجه إلى عامة الشعوب، وعادة ما يقابل تلك التحريضات تحريض مقابل من المذهب الآخر.
تسير أجواء أو إرهاصات الفتنة المذهبية، كما يبدو، نحو الأمام بكل ثقة، خاصة من خلال تصرفات بعض رجال الدين quot;المغالينquot; الذين يكفر بعضهم الآخر ورجال السياسة الذين لا يجدون حرجاً في توظيف أحدث أساليب القتل والتشريد المادي والنفسي.
بعض رجال الدين، ومنهم شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي، حاولوا أن يكونوا منطقيين أكثر من غيرهم، عندما أحيوا فتوى أزهرية قديمة، تؤكد أن لا خلاف بين الشيعة والسنة في العبادات، فالكل فيها سواء. ونحن نتطلع أن نسمع مثل هذا الصوت في أكثر من مكان من العالم وأكثر من رجل دين، لاسيما رجال الدين الشيعة من أجل إضعاف الطائفية التي ستأكل الأخضر واليابس.