23 يناير 2007


محمود مراد

منذ خمسة عشر عاماً تكاملت فصول انهيار الاتحاد السوفييتي بصرف النظر عن أسباب ذلك وأسراره التي لا تزال معظمها خافية حتى الآن ونتيجة ذلك استقلت الدول التي كانت تابعة له ومنها دول آسيا وبحر قزوين ومعظمها دول لها ارتباطات تاريخية ودينية وثقافية مع الأمة العربية. ولقد استطاعت هذه الدول رغم قسوة الظروف التي نشأت فيها أن تحقق مكانة مهمة ومثال لذلك كازاخستان التي توقع الخبراء تقسيمها وتفتيتها وغرقها في صراعات عرقية ودينية عند بداية قياسها ولكنها الآن وهي تحتفل بالذكرى الخامسة عشرة للاستقلال صارت عملاقاً اقتصادياً وأثبتت وأكدت وحدتها وقوتها. وإذا كنا نحرص على إبراز هذا وتجسيده فذلك ليس فقط تقديراً للبلد الشقيق مع أن هذا واجب وإنما أيضاً لتكرار دعوة نؤمن بها وهي ضرورة وأهمية تعميق التعاون بين الدول العربية وبين كازاخستان ودول هذه المنطقة مما سيعود قطعاً بالمصلحة متعددة المجالات على كل الأطراف.

ولقد دار بهذا الشأن حديث طويل بيني وبين السفير ldquo;بغداد أمرييفrdquo; الذي يعد شخصية كازاخية مهمة. فهو يشغل ثلاثة مناصب مهمة بل لعله الوحيد في العالم كله الذي يجمع بينها جميعاً، فهو ممثل شخصي لرئيس دولته كازاخستان وهو ثانياً ممثل بلده في حوار الحضارات وهو ثالثاً وهذا أمر فريد سفير لدولته في مصر وسفير غير مقيم في كل الدول العربية ما عدا دول الخليج الست وأيضاً في كل الدول الإفريقية أي في نحو ستين دولة كما أنه المختص بالنسبة لبلده بمسؤولية الملف العراقي وملف الصراع العربي ldquo;الإسرائيليrdquo;، وقبل ذلك كان سفيراً في السعودية وكل دول الخليج، مما جعله يتحدث اللغة العربية بطلاقة ويتفهم الأوضاع السياسية العربية إلى حد أن عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية داعبه يوما وقال له إنه سيصدر قراراً بتعيينه مستشاراً للأمين العام وخبيراً في الشؤون العربية.

ذكر لي السفير أرقاماً مذهلة، فإنه في بداية الاستقلال لم يكن في الخزانة دولار واحد، إذ كان البلد جزءاً من الاتحاد السوفييتي الكبير ولم تكن لأبنائه سيطرة على موارده وإمكاناته ومن بينها مثلاً ألفا رأس نووي جاهزة للإطلاق كان يمكنها تدمير العالم كله، ومن بينها حدوده الطويلة مع كل من روسيا والصين وأوزبكستان وكذلك حدوده المائية البحرية على بحر قزوين بطول ألفي كيلومتر، إضافة إلى مساحته التي تصل إلى مليونين ونصف المليون كيلومتر مربع، وتضم أرضه مناجم نفط ويورانيوم وتعدين وغيرها.

وربما لهذه المساحة الكبيرة ولوجود نسبة كبيرة من الشعب نحو 45% من أصل روسي مقابل نفس النسبة من أصل كازاخي، والباقي من جنسيات أخرى، فقد كان التوقع أن تصبح الدولة مهددة بأطماع الجيران، وبالتقسيم والصراع العرقي والطائفي إذ إن 65% من الشعب مسلمون والنسبة الباقية (35%) تنتمي لديانات أخرى. لكن الرئيس نور نزار باييف الذي كان رئيساً للوزراء أيام الاتحاد السوفييتي وتولي رئاسة الدولة بعد الاستقلال استطاع أن يقود البلاد بحكمة رغم الضغوط الداخلية ومنها مثلاً مطالب الأغلبية المسلمة بإعلان الدولة إسلامية، ومنها مطالب الشعب بأن تكون اللغة الكازاخية وليس الروسية هي اللغة الرسمية، والضغوط الخارجية ومنها المطالب الأمريكية والغربية بتطبيق الديمقراطية وفقاً للنموذج الغربي.

وتحمل رئيس الدولة، واستخدم الأسلوب السياسي المعتمد على المرونة والتدرج، والآن صارت الدولة ديمقراطية، وعضو بمنظمة المؤتمر الاسلامي، ولغتها هي الكازاخية وارتفع مستوى شعبها الذي يبلغ تعداده خمسة عشر مليون نسمة، وبلغ الناتج الوطني ثمانين مليار دولار أي يصبح معدل دخل الفرد بالقياس العالمي نحو 5،3 ألف دولار سنوياً.

وما أريد التركيز عليه هو كما أشرت أهمية العلاقات العربية الكازاخية وهناك مجالات واسعة لهذا منها الاقتصاد والمشروعات المشتركة، إذ تبلغ استثمارات كازاخستان في الخارج نحو سبعة عشر مليار دولار، وكذلك في المجال الثقافي وبهذا تصبح هذه الدولة سنداً ودعماً للقضايا العربية خاصة إذ عرفنا أنها لعبت دوراً مهماً في تأسيس منظمة ldquo;شنغهايrdquo; القوية التي تضم ست دول هي: روسيا الصين كازاخستان قرغيزقستان أوزبكستان طاجيكستان ثم انضمت إليها منغوليا، وأحسب أنها لن تمانع في انضمام دول عربية، وأعتقد أن هذا يمثل إضافة مهمة إلى الرصيد العربي. ولكي لا يظل العرب أسرى للعلاقات التقليدية مع الغرب فقط. وهذا لا يعني التحلل أو التخلي عن هذه العلاقات سواء مع الولايات المتحدة أو أوروبا أو غيرها، وإنما التوسع والتنوع، وهذا ما ننادي به دائماً لتكون للعرب علاقات أكثر من قوية مع آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وهذا يدعم العمل العربي، والإرادة العربية.