الخميس 25 يناير 2007

د. أحمد عبد الملك

تعقد في شهر فبراير 2007، في دبي، ندوة مهمة تتناول الإعلام الخليجي.. دوره التنموي ومساره المستقبلي، ويشارك في الندوة أكاديميون وإعلاميون من دول المنطقة. إن واقع هذا الإعلام -الإعلام في دول الخليج العربية - ظل مهملاً من ناحية البحث والاستقصاء، وكانت المؤسسات الإعلامية الرسمية تخشى فتح هذا الملف، وكأنه من أرشيف الـ (C.I.A) أو الـ (K.G.B)، وصار أن تم اتخاذ الإعلام كأحد quot;ديكوراتquot; الدولة الحديثة، وأنه جزء من ملامح السيادة، تماماً كما هو النشيد الوطني أو علم الدولة.

وضمن هذه النظرية تم تبني الدولة للإعلام تبنياً غير شرعي.. ما حدا بأن يكون الإعلام كأحد مرافق الدولة غير المهمة، فضاعت رسالة الإعلام الحقيقية، وبرز ظهورها المُشوّه.

ولقد لاحظت دراسات أكاديمية أن هذا الإعلام يتسم بالسطحية والابتذال والابتعاد عن روح التجديد، وكذلك الرسمية الحادة. وهذا ما أدى إلى انسياب أو quot;تدفقquot; قسري لهذا الإعلام من الرأس quot;الدولةquot; إلى القاعدة quot;المجتمعquot; دون الاحتفاء برجع الصدى (Feed back)، أو معايشة هذا الإعلام للإنسان في المنطقة.

وكانت الهيئة الاستشارية التابعة للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية قد تدارست شأن الإعلام -في دول المجلس- وتقدمت برأيها في شأن قضايا الإعلام للدورة 23 للمجلس الأعلى عام 2002. وكان من أولى الملاحظات المهمة التي رأتها الهيئة، غياب المستوى المطلوب من الحريات، وغلبة الطابع الرسمي ورسائل الأنشطة الحكومية، وندرة الإنتاج، والافتقار إلى الكوادر الإعلامية المتخصصة. كما أن القوانين والتشريعات الخاصة بالإعلام quot;قديمةquot;.. وتفتقد مواكبة التطورات التي شهدها ويشهدها المجتمع وعالم الإعلام.

وقدّمت الهيئة مقترحات مهمة للنهوض بهذا الإعلام، 19 توصية (يمكن الرجوع إليها في إصدار الأمانة العامة بمناسبة العيد 25 لإنشاء مجلس التعاون، الطبعة الثانية، 2006، مرئيات الهيئة الاستشارية التي تم اعتمادها من قبل المجلس الأعلى خلال الفترة 1999- 2005).

وقد لا نحتاج إلى إضافة توصية واحدة إلى تلك التوصيات التي تحمل الرؤية الأكاديمية، التي دوماً لا يلتفت إليها المنفذون للفعل الإعلامي، بل ولا توجد متابعات quot;أمينةquot; لقرارات قادة دول المجلس.

فمحور الحريات، وهو الشغل الشاغل للرأي العام، لا زال يحتاج إلى مزيد من البحث، والأهم أن تؤمن الدول بدور الحريات العامة في حياة المجتمع أولاً، ومن ثم تطالب/ أو تدعو إلى نشر الحريات في وسائل الإعلام.

المحور الثاني الأهم هو تنمية الكوادر البشرية واختيار الأفضل تأهيلاً والأكفأ خبرة لقيادة مرافق الإعلام. ونحن ندرك أن التعيينات -في معظم دول المجلس- تخضع للمزاج السياسي والقبلي. بل إن أكفأ المؤهلين في هذا المجال الحيوي نجدهم مُبعدين عن الإعلام، لربما لأنهم أقدر من غيرهم، أو لأن لهم نشاطات صحافية وتلفزيونية quot;توغرquot; صدور بعض الإعلاميين الذين تختارهم الدولة -دون كفاءة- بتأثير عامل quot;الولاءquot; دون أن تكون لديهم مؤهلات كافية للعمل الإعلامي. ومن هنا نجد أن الكوادر المؤهلة quot;تتسربquot; أو يتم quot;تسريبهاquot; من الإعلام لتحل محلها كفاءات متواضعة تخلق حولها quot;جندرمهquot; من الإعلاميين الذين quot;لا يدوشون الرأسquot;، تسهل قيادتهم، وتقل في عقولهم أسئلة المناقشة! فأنا لا أستطيع استيعاب تعيين مدير تلفزيون أو إذاعة لا يجيد اللغة العربية -على الأقل حتى يوجه مذيعيه المُخطئين- ولا أستوعب تعيين رئيس تحرير لا يعرف معنى موقع الصورة أو القيم الإخبارية أو حق المواطن في المعلومة. كما لا أستطيع استيعاب استيراد كفاءات من خارج المنطقة -وبمؤهلات دنيا- وتعيينهم في فضائيات -تغدق عليهم العطايا والمزايا- بينما هنالك مؤهلون من أبناء المنطقة أكثر كفاءة منهم نجدهم quot;مُسرَّحينquot; في البيوت وفي مقاهي الشيشة!

وهنا نحن لا نختلف مع التوصية رقم (11) الخاصة بـquot;تحديث البُنى الأساسية لوسائل الإعلام، كي يتسنى لها أن تنهض بدورها الحضاريquot;. ذلك أن تحديث البنى التحتية يتطلب أن يكون على المواقع التنفيذية للقرار الإعلامي مؤهلون أكفاء، تدعمهم خبراتهم ودراساتهم ورؤاهم الإعلامية الناضجة، وليس أسماء عائلاتهم أو مدى قربهم من القرار! كما أن تدريب الكفاءات إن لم يُتح لها المناخ الملائم للإبداع والإنتاج، لن يأتي بجديد ولن يساهم في قضية التنمية الشاملة، التي نادت بها الهيئة الاستشارية، ذلك أن المتدرب الكفء، يجب أن يقابل من يفهمه في الإدارة العليا!

المحور الثالث هو توطين الإعلام، وهذا محور مهم، إذ أنه نتاج مباشر لسمات وأزمات الإعلام الخليجي. فعدم وجود مناخ ديمقراطي، ورسمية الأداء، وندرة الإنتاج، وعدم تنمية الكوادر البشرية، ينتج عنه quot;التكالب الإعلاميquot;، وضياع المهنية، وسيطرة quot;مجتمع العائلةquot; على أساليب وطرق التعيين. ولقد بدأت دول المجلس منذ أكثر من ثلاثة عقود عملية التوطين: (التوطين- السعودة - التقطير - التكويت - التعمين - البحرنة)، وطال ذلك معظم المرافق، إلا في الإعلام، حيث نجد المؤشر يتراجع رغم تطور المجتمع وانفتاحه! وأصبحت الفضائيات -غير الرسمية أو شبه الرسمية- تستورد مئات الإعلاميين متواضعي الخبرة وتجزل لهم العطايا والمخصصات دونما مراقبة -في بعض الظروف- فنحن استطعنا التيقن من تعيين سكرتيرة في وظيفة إعلامية وتقبض راتباً لا يصل إليه راتب مواطن خبِرَ الإعلام لأكثر من 35 عاماً؟ كما نشهد حالات quot;تنقّلquot; مذيعات متواضعات الأداء من فضائية إلى أخرى وبرواتب تصل إلى راتب وزير! والسبب إعلامي فقط، ولإظهار مدى قدرة القناة الفلانية على جذب مذيعة من قناة أخرى منافسة لها!

يتم هذا في وقت تتجاهل فيه بعض الفضائيات تعيين مؤهلين مواطنين، دون أن تكون هناك أسباب وجيهة لذلك. وإذا أردنا أن نتحدث عن الصحافة -التي لا يمثل المواطنون أكثر من 2% من العاملين فيها- فإننا نتحدث عن كارثة إعلامية تهدد الأمن القومي المحلي. إذ لا توجد منطقة في العالم تصل فيها نسبة المواطنين العاملين في الصحافة إلى هذه النسبة!

الإعلام الخليجي يسير على غير هدى.. والفضائيات الخاصة أو شبه الرسمية تسحب البساط من تحت رِجل ذلك الإعلام. ونعتقد، أنه سوف يأتي وقت غير بعيد لنجد أن هذا الإعلام يحتاج إلى quot;تجنيسquot;، عندها لن تكون هنالك كوادر شابة، وتكون الكوادر المؤهلة قد وضعت رجلها على حافة القبر.