الخميس 25 يناير 2007



دامين كايف

أثناء جلسة برلمانية في العراق تلا محمود المشهداني، رئيس البرلمان العراقي، قائمة بأسماء أعضاء البرلمان البالغ عددهم 275 من المنتخبين بهدف إحراج المتغيبين عن الجلسة. وهكذا مر المشهداني على الأسماء الوازنة في البرلمان مثل إياد علاوي، رئيس الوزراء السابق الذي يعيش متنقلاً بين عمّان ولندن، ثم عدنان الباججي، السياسي المخضرم. أما بقية الأعضاء البارزين الذين فشلوا في الحضور خلال جلسة يوم الاثنين الماضي فهم صالح المطلك، البرلماني السُّني العراقي، فضلاً عن مجموعة أخرى من الأعضاء الشيعة والأكراد، بل وحتى إياد السامرائي، رئيس اللجنة المالية في البرلمان الذي أثار غيابه عن الجلسة اهتمام رئيس البرلمان، ليتساءل: quot;ومتى سيعود؟ بعد المصادقة على الميزانية!quot;. وبالطبع كانت تلك مزحة تنضح بالغضب والاستياء من تغيب عدد كبير من أعضاء البرلمان العراقي. هذا الغياب الذي عطل جلسات المجلس طيلة الفترة الممتدة من شهر نوفمبر الماضي ليتم تأجيلها كل مرة بسبب عدم توفر النصاب القانوني لعقد الجلسات، وذلك رغم الرواتب والامتيازات التي يستفيد منها أعضاء البرلمان وتصل في مجملها إلى 120 ألف دولار. وإذا كانت الحجة الأولى التي يسوقها المتغيبون هي الوضع الأمني المتدهور، إلا أن المسؤولين العراقيين لا يخفون تخوفهم من فقدان الثقة في الديمقراطية العراقية الوليدة. ففي الوقت الذي تتفشى فيه الفوضى يعتقد البعض أن المؤسسة التشريعية باتت عديمة الجدوى. وفي ظل هذا الغياب المزمن لأعضاء البرلمان العراقي أصبحت القضايا التشريعية المهمة مثل قانون النفط الأخير يبت فيها خارج المجلس التشريعي لتقتصر وظيفة البرلمان على مهر القرارات بختم الموافقة دون مراجعتها. والنتيجة، يقول المسؤولون العراقيون، إن الملفات الأساسية المرتبطة بالميزانية وانتخابات المحافظات، فضلاً عن التعديلات الدستورية تظل حبيسة عملية تشريعية معقدة لا تفضي إلى قرارات حاسمة. وحتى ذلك الأمل الذي عقده الأميركيون على البرلمان العراقي في قدرته على نشر قيم الحوار بين الفصائل العراقية المختلفة ظل بعيد المنال.

ويبدو أن كبار المسؤولين العراقيين الذين شجعتهم الولايات المتحدة على التمسك بمؤسساتهم الديمقراطية الناشئة، والاعتماد على أنفسهم في إدارة شؤونهم بدأ يتسلل الإحباط إلى نفوسهم من مجمل العملية السياسية. ولتطويق ظاهرة تغيب المشرعين العراقيين قال المشهداني إن البرلمان سيشرع قريباً في فرض غرامات تصل إلى 400 دولار على كل جلسة يتغيب عنها الأعضاء، واستبدلاهم بأعضاء آخرين إذا هم تمادوا في غيابهم عن حضور جلسات البرلمان. ومن ناحية أخرى يؤكد سياسيون عراقيون أن ضعف مشاركة أعضاء البرلمان في الجلسات يرجع إلى الشعور المتنامي بالإحباط إزاء قدرة المؤسسة التشريعية على تحسين الحياة اليومية للعراقيين، لاسيما وأن مسألة الأمن، التي تعد القضية الأساسية اليوم في العراق، يحتكرها العسكريون الأميركيون ومكتب رئيس الوزراء. ومع كل انفجار جديد، كالذي أودى يوم الاثنين الماضي بحياة 88 شخصاً، تترسخ في الأذهان صورة البرلمان العاجز عن معالجة العنف موجات المتصاعدة في البلاد.

وفي هذا الإطار يقول عدنان الباججي في حديث تلفوني من أبوظبي quot;يشعر الناس بالإحباط في ظل عدم تحسن الوضع الأمني. ويبدو أن الحكومة فشلت في الحد من العنف، رغم كل وعودها السابقةquot;. ومع أن الدستور العراقي منح البرلمان صلاحيات واسعة لاتخاذ القرارات وإجراء التحقيقات، إلا أن الصراع الطائفي والحاجة أغلبية الثلثين لتمرير القوانين غالباً ما يعطل العمل التشريعي. وكثيراً ما يلجأ في هذا السياق المشرِّعون السُّنة، أو الشيعة، إلى إيقاف جهود التحقيق التي تتعلق بأعمال العنف بسبب ارتباطها بالميلشيات التابعة لإحدى الطائفتين. وحول أهمية المجلس التشريعي العراقي أكد رئيس البرلمان محمود المشهداني في حوار أجري معه من مكتبه ببغداد أن البرلمان quot;يمثل القلب النابض للعملية السياسية، وإذا توقف القلب تعطل كل شيءquot;.

والواقع أن جلسة يوم الاثنين الماضي التي تلا فيها رئيس البرلمان قائمة بأسماء الأعضاء كانت الأولى التي تنعقد بعدما اكتمل النصاب القانوني المحدد في حضور 50% من الأعضاء (زائد واحد) لتمرير القوانين. أما السبب في نجاح انعقاد اللجنة هذه المرة فيكمن في عودة ثلاثين عضواً ينتمون إلى التيار الصدري إلى البرلمان بعد مقاطعة استمرت لأكثر من شهرين. ومع ذلك لم يساهم المشهد في البرلمان العراقي خلال جلسته الأخيرة سوى في تأكيد ظاهرة الغياب، حيث بدا عبدالعزيز الحكيم، زعيم quot;المجلس الأعلى للثورة الإسلاميةquot; بعد حضوره للبرلمان وكأنه يلتقي بزملائه بعد غياب طويل إذ ظل حوالى خمس دقائق وهو يحيي باقي الأعضاء ويتبادل الحديث مع بعضهم قبل الجلوس في مقعده. وقد رفض أعضاء البرلمان تقديم لوائح الحضور التي تثبت مشاركتهم في جلسات المجلس خوفاً من العقاب، مشيرين إلى أنهم ليسوا الوحيدين الذين يتغيبون عن الحضور. ويتقاضى عضو البرلمان العراقي ما يناهز 10 آلاف دولار شهرياً تشمل الراتب والامتيازات الأخرى بما فيها رواتب الحراس الشخصيين.

ومن ناحيته يرى محمد الأحمداوي، الممثل الشيعي لـquot;حزب الفضيلةquot; في البرلمان أن quot;معظم أعضاء البرلمان هم هنا من أجل المال والجاه، لكننا نريد من المشرِّعين العراقيين أن يتابعوا مصالح ناخبيهم، لاسيما في هذه الأوقات الحرجةquot;. ويضيف الأحمداوي أن العديد من السياسيين الذين كانوا يملكون نفوذاً سياسياً أكبر قبل الانتخابات يعتبرون مناصبهم الحالية كممثلين للشعب العراقي في البرلمان تراجعاً في مكانتهم. هذا ويفضل محمود المشهداني المزج بين أسلوب الإقناع الودي واللجوء إلى العقاب، رغم تلويح المسؤولين باللجوء إلى إجراءات متشددة لإرغام الأعضاء على المشاركة في جلسات البرلمان.


مراسل quot;نيويورك تايمزquot; في العراق