الخميس 25 يناير 2007
ديفيد ادواردز ـ موقع ميديا لينس
عشية غزو العراق في مارس/ آذار من عام 2003 تحدث توني بلير الى البرلمان ومما قاله ldquo;عائدلات النفط التي يزعم الناس زوراً وبهتاناً أننا نبتغي الاستيلاء عليها، ينبغي أن تودع في صندوق ائتماني لمصلحة الشعب العراقي وأن يدار هذا الصندوق من قبل الأمم المتحدة، وينبغي أن تسعى المملكة المتحدة الى استصدار قرار جديد من مجلس الأمن يؤكد على استخدام جميع عائدات النفط لمنفعة الشعب العراقي وفيما يصب في مصلحتهrdquo;.
الا أن هذا لم يحدث قط، اذ لم يمر على مزاعم بلير سوى شهرين حتى بادرت بريطانيا، ومعها شريكتها أمريكا الى رعاية قرار في مجلس الأمن الأممي يمنح الولايات المتحدة والمملكة المتحدة الهيمنة على عائدات نفط العراق.
ومع ذلك، ظلت فكرة أن النفط يمكن ان يكون هو الدافع الأكبر والحقيقي وراء الغزو الأنجلوأمريكي موضوعاً محرماً لا يجوز بحال للصحافة البريطانية أن تقربه أو أن تتطرق اليه أو تناقشه بأي شكل من الأشكال، واستبعدت هذه الفكرة فوراً ووصمت بأنها ldquo;نظرية المؤامرةrdquo; العتيقة.
على أية حال، أورد مقال نادر المثال تناول هذا الموضوع في صحيفة ldquo;الاندبندنتrdquo; ذات يوم أحد أوائل هذا الشهر أن قانوناً جديداً يتعلق بالنفط يوشك أن يشق طريقه ويقدم الى الوزارة والبرلمان العراقيين، وفي تجاهل وتنكر تام للعرف الطبيعي الشائع بين الأمم النامية ونأي بالغ الغرابة عن المعهود من التوجه الوطني لمثل هذه الدول النامية، فان شركات النفط الكبرى، مثل ldquo;بي بي بيrdquo; وrdquo;شلrdquo; وrdquo;اكسونrdquo; وrdquo;شيفرونrdquo; ستكون قادرة ومؤهلة للاتجار بنفط العراق وتخول حق ابرام صفقات لمدة تمتد لثلاثين سنة مقبلة لاستخراج نفط هذا البلد، وكان جريج موتيت، وهو أحد كبار الناشطين والمسؤولين في مؤسسة بلات فورم، وهي جماعة ترفع لواء حقوق الانسان وحماية البيئة وتضطلع بمراقبة الصناعة النفطية وترصد سلوك ومناهج كبار اللاعبين على مسرح هذه الصناعة، قد وصف كيف أن مؤسسة بيرنج بوينت الاستشارية الأمريكية استأجرتها حكومة الولايات المتحدة كي تساعد الأمريكيين في صياغة مسودة القانون التشريعي الذي تعتزم سنّه، فقال: ldquo;أتيحت لثلاث مجموعات خارجية فرصة أعظم بكثير لتدرس وتدقق وتمعن النظر في هذا التشريع مما أتيح للأغلبية الساحقة من العراقيين، وذهبت المسودة الى حكومة الولايات المتحدة والى كبريات شركات النفط في يوليو/تموز، والى صندوق النقد الدولي في سبتمبر/أيلول والتقيت الشهر الماضي بمجموعة من عشرين برلمانياً عراقياً في الأردن وسألتهم عن عدد من رأى منهم ذاك التشريع الآنف الذكر، وفوجئت بأن واحداً فقط كان هو من رأهrdquo;. وعلى ما يبدو، فان شركات النفط الكبرى ستكون هي القادرة على استغلال ضعف العراق الحالي ووضعه السياسي والاجتماعي المتردي وخنوع الزعامات الممسكة بزمام الأمور الآن لاملاءات القوى المحتلة كي تضمن لنفسها شروطاً تفضيلية مواتية لها تحابيها وتؤثرها بنصيب الأسد من الغنائم، وترسخ هذا الواقع المستجد وتبذل قصارى جهدها حتى لا تتغير هذه الشروط والظروف في المستقبل.
وهاهم الصحافيون اليوم وقد استغرق عليهم انشغالاتهم هم أكبر وهاجسم أعظم، اذ انصرف اهتمامهم، الى عرض الاهتمام الأمريكي بالصومال وتسويقه وتزويقه على أنه اهتمام ldquo;انسانيrdquo; بحت مجرد عن الهوى والمطامع، واستحثت موجة الهجمات الجوية الأمريكية الوحشية والدموية الاعلام مؤخراً واستفزته ليراجع مرة أخرى تدخل سنة ،1993 في عملية استعادة الأمل، التي خلد الفيلم الهوليوودي ldquo;سقوط الصقر الأسودrdquo; ذكرها، فأوردت صحيفة ldquo;الصنداي تايمزrdquo; أوائل هذا الشهر ما يلي: ldquo;قادت أمريكا قوة تابعة للأمم المتحدة الى الصومال في مسعى منها لمحاربة المجاعة، وشهدت الحملة صدامات بين قوات الأمم المتحدة ولوردات الحرب الصوماليين، واشتملت هذه الصدامات على المعركة المذلة المهينة لأمريكا ldquo;سقوط الصقر الأسودrdquo; عام ،1993 التي قتل فيها 18 جندياً أمريكياًrdquo;.
ولا يفوتنا أن نلحظ ها هنا ذاك التوكيد الجازم الذي ينضح بالابتهاج وهو يزعم ان الولايات المتحدة، انما كان تدخلها ldquo;لمحاربة المجاعةrdquo; وسرعان ما يتبين أن مثل هذا الزعم موثوق جدير بالتصديق بقدر ما يمكن للمرء أن يثق بمزاعم مجلة ldquo;الفياننشال تايمزrdquo; وهي تتناول بالحديث حرب الخليج عام 1991.
هذا الشهر، علق سالم لون، الناطق باسم بعثة الأمم المتحدة في العراق في عام ،2003 وكاتب العمود الصحافي حالياً في جريدة ldquo;ذا ديلي نيشنrdquo; في كينيا، على الصومال والأوضاع فيها فقال: ldquo;انها لبقعة من أهم مناطق العالم من الناحية الاستراتيجية، كما أنها حديثة عهد بالثراء النفطي، وثمة سيل عرم من التقارير، بل هي تقارير فظيعة، تؤكد أن في الصومال اليوم نفط غزير، تماماً كالثروات النفطية التي تباهي بها معظم بلدان المنطقةrdquo;.
وبغض النظر عن الأدلة والبراهين، فإن الإعلام الغربي سيواصل عرض الهجمات العسكرية الأنجلوأمريكية على أنها ldquo;تدخلات انسانيةrdquo;، والسبب الرئيسي الكامن وراء هذا بينه الصحافي كاتب العمود في صحيفة ldquo;التايمزrdquo; ديفيد أهارونوفيتش بقوله: ldquo;لو كانت الرغبة الكامنة وراء غزو العراق انما هي مجرد الطمع بالاستيلاء على نفط العراق، كما يوجه البعض التهمة، فكل ما تمخض عن هذا الغزو من إزهاق أرواح وخسائر مثير للاشمئزاز وأشد الاستنكار من النواحي الأخلاقيةrdquo;.
وسيكون هذا بالطبع أمراً مستهجناً وغير مقبول على الاطلاق من قبل الرأي العام البريطاني، الذي لطالما كيلت له التطمينات والتأكيدات على أن السياسة الخارجية الأنجلوأمريكية انما هي سياسة إحسان يشع بالخير والحدب على الانسانية، وأنها سياسة متحضرة عقلانية وأما أهل الاقتصاد الضالعون في هذه السياسة فيعلمون بواطن الأمور ويدركون الحقائق.
* كاتب وناقد ومحلل صحافي يشارك في تحرير موقع ميديا لينس













التعليقات