رضوان السيّد

قضى الأمين العام لحزب الله زهاء الساعة مساء الأربعاء وهو يحاول إقناع جمهور اللبنانيين (وليس الجمهور الحزبي الذي كان يحضر كلمته طبعاً!) بأمرين اثنين: أن الإضراب العام نجح وحقق أهدافه، والأمر الآخر أن على اللبنانيين (الذين يسميهم الفريق الحاكم) أن لا يأملوا بالهدوء، بل هناك إجراءات أخرى ستتخذ إن لم يجر الإصغاء لمطالبه.
والواقع أن أكثر الفرقاء السياسيين لا يوافقون الأمين العام للحزب على أن الإضراب كان ناجحاً إلا بمعنى واحد، إرغام اللبنانيين على البقاء أمام شاشات التلفزيون للنظر بذهول الى الحرائق والسوائر الترابية التي انتشرت في سائر أنحاء البلاد، وبخاصة من حول بيروت وبداخلها، وعلى الطريق الساحلي حتى طرابلس وما بعدها. أما أنا فقد اقتنعت بأن الإضراب كان ناجحاً ليس بسبب الحرائق فقط، بل لأن خمسة مواطنين سقطوا قتلى، إضافة الى عشرات الجرحى والممتلكات والطرقات المتضررة! لكن لو نظرنا الى أمر الإضراب وأهدافه من وجهة نظر الأمين العام للحزب، ومن وجهة نظر الجنرال عون وسليمان فرنجية، فإن النجاح ما كان بارزاً ولا متحققاً. إذ يمكن ـ رغم غبار الكلام الكثيف ـ تبيّن ثلاثة أهداف لذاك الإضراب حسب قول من ذكرناهم: إسقاط الحكومة، وإفشال مؤتمر باريس ـ 3، وتخويف المواطنين بحيث تقل الأصوات المعترضة على الأمين العام وحزبه، وعلى الجنرال عون ومحازبيه. أما الأصوات المعترضة فلم تخفت بل زادت صخباً واعتراضاً، ومن جانب المواطنين، كما من جانب السياسيين. وتجددت الأصوات التي تطالب بحماية السلم الأهلي وحماية الطرقات وحماية أمن الناس وأرزاقهم وأعمالهم. ولا شك أن أمور quot;الحماياتquot; هذه ما كانت تهم الذين أرادوا إرغام الناس على الإضراب، لكنها تهم سائر المواطنين. والهدفان الآخران ما تحققا طبعاً، كما لم يتحققا نتيجة الاعتصام المستمر لأكثر من شهرين. من الذي يقول إن الجنرال عون ازدادت شعبيته بين المسيحيين أو أن حظوظه في الرئاسة صارت أفضل؟! ثم من الذي يقول إن أنصار سوريا الآخرين خرجوا أبطالاً؟!
وإذا كان هذا كله لا يحمل دلائل نجاح، فلننظر في الأمور الأخرى التي تحدث عنها الأمين العام للحزب: أن الإضراب كان سلمياً وحضارياً، وأن بيروت لم تحاصر، وأن quot;المحاصرينquot; جاءوا وتحشدوا لمقاومة المضربين المتمترسين بالشارع بسيارات مدججة بالسلاح! كيف يكون الإضراب سلمياً وحضارياً وقد أقلق العباد والبلاد بالحرائق الثابتة والمتنقلة، وبالسواتر الترابية المرتفعة. وقد سمعنا مثل غيرنا مواطنين كثيرين يقولون على الشاشات إنهم ارتعبوا وتذكروا الحرب الأهلية التي كانت تقفل الطرقات وتملأ الشوارع بالحواجز التي يقف عندها المسلحون لاصطياد الناس أو إزعاجهم على الأقل. أما عدم حصار بيروت فكيف يمكن تصديقه وقد أقفل الحزب وحلفاؤه سائر المداخل الى العاصمة ومنها، من مثل مستديرة الصياد، وطريق المطار وطريقي المرفأ وطريق المتحف، بل وجرى التغلغل في أحياء العاصمة والاشتباك مع الناس الذين حاولوا التنقل أو فتح محلاتهم. ثم أين هي الشاحنات المملوءة بالسلاح، ما دام كل من جرحوا أو قتلوا من المواطنين العاديين أو ممن حاولوا منع المضربين من الاستمرار في سد الشوارع؟! ويمنّ الأمن العام للحزب على رئيس الحكومة، أنو سمح له بالسفر الى باريس بعد الساعة العاشرة ليلاً، فإذا كان الإضراب سلمياً وحضارياً، فلماذا التمنين بأمر بديهي هو حق من حقوق المواطن العادي فكيف برئيس الحكومة؟!
وتوصل الأمين العام للحزب أخيراً الى نتائج كثيرة، ليس من بينها النتيجة الوحيدة المنطقية: ما دام الاعتصام لم ينفع، وكذلك الأحزاب، فلا أفضل من العودة للحوار. هكذا ظل الرئيس السنيورة يقول لأسابيع وأسابيع: ما دمنا سنجلس في النهاية معاً لنتفاوض على حل الأزمة، فلماذا لا نفعل ذلك الآن بدلاً من تكليف المواطنين ما لا يطيقونه؟!
اعتدنا من الأمين العام لحزب الله على الصدمات ولأعوام. ثم كانت حرب تموز بصدمتها الصاعقة. ومنذ ذلك الحين لا يقبل الحزب وأمينه العام الا بالصدمات الكبيرة. وقد أنجز مع عون صدمة ولا أفظع. لكأنما الممنوع على الوطن والمواطنين الاستقرار والعمل من خلال المؤسسات الدستورية. فلا حول ولا قوة إلا بالله!