زيّان

ليست بنت ساعتها. ولا هي وليدة حادثة عابرة، أو نتيجة التباس بسيط بين طالبين. بل هي نتيجة quot;طبيعيّةquot; لعمليات شحن وحقن متواصل، منذ أشهر وسنين.
فكميَّة التعبئة التي يمارسها المتساجلون والمتزاجلون بعضهم ضد البعض، والتي لا تخلو من التحريض السياسي والطائفي، وحتى المذهبي والمناطقي، كانت كافية لتفعل فعلها في نفوس الأجيال الطالعة، وتدخلها الى غياهب الاقتتال بحقد وشراسة، على غرار ما حصل يوم الثلثاء ويوم أمس.
من دون تجاهل الاحتقانات السابقة التي كان للوصاية دور أساسي فيها، فضلا عن عجز الاطراف السياسيين عن حسم الصراعات أو لملمة ذيولها ذات الخلفية الطائفية والمذهبية.
آخذين في الاعتبار الأحداث، والتطورات، والتصعيدات، والاصطدامات، والاغتيالات، والتفجيرات، خلال العامين الاخيرين.
كل ذلك، وغيره الكثير مما لا يخفى على أحد، جعل لبنان ساحة زيت وبنزين قابلة للاشتعال والانفجار لدى أول اختلاف كلامي أو مجرَّد تلاسن بين طلاب أو اناس عاديين.
وهذا ما حصل أمس، بغض النظر عن أية معلومات عن السبب المباشر للاصطدام الذي كانت الجامعة العربية وجوارها مسرحاً له، والذي انتقل بسرعة نار هبت عليها الرياح الى أحياء وشوارع كثيرة في العاصمة ومناطق اخرى.
لقد استنفرت نيران الفتنة التي أفزعت الجميع ومختلف الافرقاء والاحزاب والمعنيّين والمسؤولين، مما حال مرة أخرى دون توسُّع الحرائق الى حيث لا يعود في الامكان السيطرة عليها او حصرها.
إنما هذا لا يعني ان الفتنة لم توقظ، وان المشاعر العصبيّة التي التهبت في لحظات قد آبت الى صوابها. فما لم يَنْبَرِ أحد من المسؤولين ويعمل بإخلاص وتصميم على اقناع القيادات بالعودة الى لغة العقل والحوار، فان البروفات ستتوالى. وقد تكون لاحقاً من النوع الذي لا تجدي معه البيانات الداعية الى التهدئة.
المهم الآن عدم التضحية بلبنان على مذبح الصراعات حول وزير بالزائد أو وزير بالناقص، أو في سبيل مصالح وانتصارات شخصية، لن تلبث ان تظهر انها مجرد احلام وأوهام.
وبالتالي بذل كل الجهود لتجنيب البلاد والعباد تجربة الاقتتال الطائفي والمذهبي.
وفي الوقت نفسه يجدر بالقيادات والمرجعيات المحافظة على الدعم الدولي الكبير وغير المسبوق الذي حظي به لبنان أمس في مؤتمر باريس 3، كوطن ودولة وشعب.
فالسبعة مليارات والستمئة مليون دولار لم تقدمها الدول الكبرى والمؤسسات الدوليَّة لفريق سياسي معيَّن، أو لطائفة دون أخرى، إنما هي لكل لبنان وكل اللبنانيين.
ان الفشل في تحقيق هذين الهدفين سيحكم على لبنان بالخراب، وربما بالزوال.
وعندئذ سيكتشف الجميع انهم خسروا كل شيء، فلم يتبق لهم وطن، ولم يبق لهم شقيق او صديق يد يمدّ العون والمساعدة.