دrlm;.rlm; رفعت السعيد



..rlm; ويبدو أنه مكتوب عليناrlm;,rlm; كلما تحدثنا عن الإخوان أن نعود لنفتش في دفاترهم القديمة لنتفهم حقيقة الموقف الذي يتخذونه الآنrlm;.rlm; وليس في الأمر أي محاولة للتشهير أو التشكيكrlm;.rlm; لكن الأمر يأتي من تمسك الإخوان بكل قديمهمrlm;.rlm; فهم في حقيقة الأمر يعتبرونه تراثا مقدسا لا يمكن المساس بهrlm;.rlm; لا نقد ولا انتقاد ولا حتي محاولة لإعادة التقييمrlm;.rlm; كل ما قاله المرشد الأول الأستاذ البنا صحيحrlm;,rlm; بل وأكثر من كونه صحيحاrlm;,rlm; أليس هو الرجل الرباني كما يسمونهrlm;.rlm; وكل التراث الإخواني في القول والفعل صحيحrlm;,rlm; ويجري تدريسه للكوادر الإخوانية ليشربوا من مياه البئر القديمة ما يجعلهم يتماثلون مع القدامي في عملية استنساخ فكري وعقلي وعملي دائمةrlm;,rlm; فتبقي الجماعة رغم كل محاولاتها للمراوغة مثقلة وبرضاء تام وتسليم كامل بأثقال ما قال المرشد المؤسس وما فعلrlm;.rlm; ولم يحدثrlm;..rlm; أكرر لم يحدث أن جماعة سياسية امتنعت عن أي رؤية نقدية لتراثها واستسلمت بتسليم كامل لكل ما قاله مؤسسها ومن أحاطوا به من قياداتrlm;,rlm; وحتي من أتوا بعده من مرشدينrlm;,rlm; كما فعلت هذه الجماعةrlm;.rlm;

ولهذا ـ وليس لأي غرض آخر ـ نعود دوما إلي قديمهم ليس لمجرد أنه الأساس الفكريrlm;,rlm; وإنما لأنهم يتمسكون به ويعتبرون الالتزام به جزءا من الولاء للجماعةrlm;,rlm; وربما عند البعض منهم جزءا من الإيمانrlm;.rlm; وفي الآونة الأخيرةrlm;,rlm; تحدث قادة الجماعة عن تأسيس حزب سياسي أو عن إعداد برنامج سياسيrlm;,rlm; فألزمونا بالعودة إلي دفاترهم القديمة لنري حقيقة إيمانهم بهذه الفكرةrlm;.rlm;

وابتداء نتذكر أن الجماعة تأسست عامrlm;1928,rlm; ومنذ هذه الفترة وما قبلها وما بعدها وحتي عامrlm;1952,rlm; كان من حق أي فرد حتي لو كان وحيدا أن يعلن عن تأسيس أي حزب يريدrlm;,rlm; ولا يحتاج في ذلك إلا مجرد إخطار بالبريد المسجلrlm;(rlm; الذي كان يتطلب طابع بريد بقرش صاغ واحدrlm;)rlm; يوجه لوزير الداخليةrlm;.rlm; وكانت الجمعيات الأهلية تنشأ وتتكاثر دونما حاجة لترخيص حكوميrlm;.rlm; لكن المرشد المؤسس اختار لنفسه وضعا مرناrlm;,rlm; وكمن هو وجماعته في شق هو ما بين الحزب السياسي والجماعة الدينيةrlm;,rlm; بينما هو من الناحية الرسمية لا هذا ولا ذاكrlm;.rlm; وقد حرص الأستاذ البنا علي تأكيد ذلك عبر مناورات كلامية قد تبدو مرتبكةrlm;,rlm; لكنه ارتباك متعمد ومخططrlm;.rlm;

ونقرأ بعضا مما قالهrlm;:rlm; يقولون نحن في حيرة من أمر الإخوان المسلمين أهي طريقة صوفية أو جمعية خيريةrlm;,rlm; أم حزب سياسيrlm;,rlm; وأي شيء يقصدون؟ وفي أي طريق يسيرون؟ أما نحن الإخوان فقد تجاهلنا هذه المسمياتrlm;,rlm; وأخذنا في الطريق الأول الذي لا يصلح أمر الناس إلا عليهrlm;.rlm; الدعوة إلي كتاب الله وسنة رسول اللهrlm;,rlm; ونهجنا منهج الإسلامrlm;,rlm; ووسيلتنا إيمان ومحبة وعملrlm;(rlm; مجلة الإخوان المسلمون ـ نوفمبرrlm;1944rlm; ـ مقال لحسن البنا بعنوانrlm;:rlm; نحنrlm;).rlm;

ثم هو يقولrlm;:rlm; إن الإخوان دعوة سلفيةrlm;,rlm; طريقة صوفيةrlm;,rlm; هيئة سياسيةrlm;,rlm; جماعة رياضيةrlm;,rlm; رابطة علمية ثقافيةrlm;,rlm; شركة اقتصاديةrlm;,rlm; فكرة اجتماعيةrlm;(rlm; أنور الجندي ـ الإخوان المسلمون في ميزان الحق ـ صrlm;15)rlm; لكنه وياللغرابة يعود ليصيح في رجاله أيها الإخوانrlm;:rlm; أنتم لستم جمعية خيرية ولا حزبا سياسياrlm;,rlm; ولا هيئة موضعية الأغراضrlm;,rlm; محدودة المقاصدrlm;,rlm; ولكنكم روح جديد ونور جديد وصوت داوrlm;(rlm; المرجع السابق صrlm;51)..rlm; وهكذاrlm;..rlm; لا يمكننا أن نمسك بالزئبقrlm;.rlm;

لكن الزئبق لا يلبث أن يطل علينا في عديد من المواقفrlm;.rlm; منها الموقف من الدستورrlm;,rlm; فهو يكتب قائلاrlm;:rlm; إن من نصوص الدستور المصري ما يراه الإخوان المسلمون مبهما غامضا يدع مجالا واسعا للتأويل والتفسير الذي تمليه الغايات والأهواءrlm;(rlm; حسن البنا ـ رسالة المؤتمر الخامسrlm;)rlm; ويبدو أنه استشعر غضبا من القصر الملكي فتراجع سريعا مؤكدا ما كان لجماعة الإخوان المسلمين أن تنكر الاحترام الواجب للدستور باعتباره نظام الحكم المقرر في مصرrlm;,rlm; ولا أن تحاول الطعن فيهrlm;,rlm; أو إثارة الناس ضدهrlm;,rlm; وحضهم علي كراهيتهrlm;.rlm; ما كان لها أن تفعل ذلك وهي جماعة مؤمنة مخلصة تعلم أن إهاجة العامة ثورةrlm;,rlm; وأن الثورة فتنةrlm;,rlm; وأن الفتنة في النارrlm;(rlm; النذير ـ لسان حال جماعة الإخوان ـ العددrlm;33rlm; ـ مقال لحسن البنا بعنوانrlm;:rlm; الإخوان المسلمون والدستورrlm;).rlm;

لكنه لا يلبث أن يعود ليقولrlm;:rlm; لابد من جديد في هذه الأمةrlm;,rlm; هذا الجديد هو تغيير النظم المرقعة المهلهلة التي لم تجن منها الأمة غير الانشقاق والفرقةrlm;,rlm; وهو تعديل الدستور تعديلا جوهرياrlm;,rlm; بحيث توحد فيه السلطاتrlm;(rlm; لاحظ مطالبته بأن توحد فيه السلطاتrlm;)(rlm; حسن البنا ـ رسالة نحو النورrlm;).rlm;

مرة أخريrlm;..rlm; هل يمكن أن تمسك بالزئبق؟
ثم نأتي إلي فكرة تأسيس حزب سياسيrlm;.rlm; ونطالع رأي الأستاذ البنا وقادة الجماعة في مبدأ تعدد الأحزابrlm;..rlm; بل وجود الأحزاب أصلاrlm;.rlm; نعود لنطالع مجلة النذير لسان حال الجماعةrlm;..rlm; ونقرأ في الثامن عشر من ربيع الأولrlm;1357rlm; هـrlm;:rlm; تقدم وفد من الإخوان المسلمين بخطاب إلي جلالة مولانا الملك يلتمس فيه العمل علي إصلاح الأحزاب المصرية في هيئة واحدة ذات برنامج إصلاحي إنشائي يرتكز علي قواعد الإسلام وتعاليمه وحسبنا ما لقينا من بلاء الحزبية وعناء الانقسام السياسيrlm;..rlm; وتمضي هذه الرسالة قائلةrlm;:rlm; إن الحزبية السياسية التي تفشت بين الناس فرقت الكلمة ومزقت الوحدة وأفسدت الأعمالrlm;,rlm; وعطلت كل النواحيrlm;..rlm; وتقول إن الضرورات التي أوجدت التعددية الحزبية قد انتهت ولم يبق منها شيءrlm;..rlm; فلا معني إذن لبقاء الأحزابrlm;(rlm; النذير ـrlm;30rlm; ربيع الأولrlm;1357rlm; هـrlm;).rlm;

وفي رسالة المؤتمر الخامسrlm;,rlm; يقول الأستاذ البنا يعتقد الإخوان أن الحزبية قد أفسدت علي الناس كل مرافق حياتهم وعطلت مصالحهم وأتلفت أخلاقهم ومزقت روابطهمrlm;,rlm; وكان لها في الناس أسوأ الأثرrlm;.rlm; ثم هو يطالب بتغيير النظام البرلماني من أساسه بنظام برلماني يرفض التعدديةrlm;,rlm; فالحائل دون النهضةrlm;,rlm; والمانع من تقدم الأمةrlm;,rlm; والمعول الذي يهدم كل خير فيهاrlm;,rlm; ويحطم كل عنصر سليم هو شيء واحد فقطrlm;:rlm; الحزبيةrlm;.rlm;

ويواصل الأستاذ البنا حملته علي الحزبية والتعدديةrlm;:rlm; لا ندري ما الذي يفرض علي هذا الشعب الطيب المجاهد هذه الشيع والطوائف من الناس التي تسمي نفسها أحزاباrlm;..rlm; ولا مناص بعد الآن من أن تحل هذه الأحزاب جميعاrlm;(rlm; حسن البنا ـ رسالة التعاليمrlm;).rlm;

وقد يحاول الإخوان التملص من هذه المواقف بادعائهم أنها كانت تنصب علي الحياة الحزبية في فترة ما قبل ثورة يوليوrlm;:rlm; أما الآن فربما يكون الوضع قد تغيرrlm;..rlm; لكننا نكشف عن أن الأستاذ عمر التلمسانيrlm;(rlm; مرشد الجماعة خلال عهد الرئيس السادات وما بعدهrlm;..)rlm; يتخذ ذات الموقف فيقول في مذكراته إن الأحزاب ما هي إلا لعبة استعماريةrlm;,rlm; كما أن الدستور فكرة استعماريةrlm;..rlm; ويقول في صراحة غريبةrlm;:rlm; استقر رأيي أخيرا علي أن فكرة قيام الدستور وإنشاء أحزاب أصلا كانت فكرة استعماريةrlm;,rlm; قصد منها الوقيعة بين أبناء الوطن الواحدrlm;(rlm; عمر التلمساني ـ شاهدا علي العصر ـ تحرير إبراهيم قاعود ـ صrlm;26).rlm;

فما هو الجديد إذن؟rlm;..rlm; ولماذا برزت فكرة تأسيس حزب أو حتي الاكتفاء بإطلاق برنامج سياسي؟rlm;..rlm; وابتداء نقرر أن الأستاذ البنا قد أطلق برنامجا أعلنه في المؤتمر الخامس للجماعةrlm;,rlm; لكنه ألحقه بإنذار صارم صارخrlm;,rlm; إذ أعلنrlm;:rlm; هذا المنهاج كله من الإسلامrlm;,rlm; وكل نقص منه نقص من الإسلام ذاتهrlm;..rlm; تأملوا العبارة كله من الإسلام فإن تجاسر أحد بنقد لأي سطر وأي فكرة فهو ينتقد الإسلام ذاته وليس رأي الجماعةrlm;,rlm; وإن تجاسر أحد فقال لقد نسيتم مسألة أو تجاهلتم قضية في برنامجكمrlm;..rlm; يكون القول بالنقص منصرفا إلي الإسلام ذاتهrlm;.rlm; أي أن الجماعة قررت أن تحتكر الإسلام لذاتهاrlm;,rlm; وأن تلزم الجميع ببرنامجهاrlm;..rlm; فأي نقد للبرنامج هو وببساطة نقد للإسلام ذاتهrlm;..rlm; أليس هذا بالضبط ما يدعونا إلي رفض فكرة قيام حزب ديني؟

ولكن لماذا الآن؟
لأن التعديلات الدستورية التي ستجعل قيام حزب ديني أمرا محظورا بحكم الدستور سوف تفرض عليهم الانزواء بعيدا عن الأضواء التي نجحوا في إشعالها حول أنفسهم خلال الفترة الماضيةrlm;,rlm; ولأنهم سيحاولون الاختباء في عباءة جديدة قد يتوافد إليها بعض من غيرهم كغطاء لبقائهم في السوق السياسيةrlm;..rlm; وأيضاrlm;..rlm; لماذا لن يقدم الحزب أوراقه للجنة الأحزاب؟

لأن القانون الحالي يشترط لقيام حزب شروطا لا يحتملها الإخوانrlm;,rlm; منهاrlm;:rlm;
ألا يقوم الحزب علي أساس دينيrlm;,rlm; وأن يفتح أبوابه وعضويته للمصريين جميعا دون تفريقrlm;(rlm; جميعا بمعني مسلمين وأقباطrlm;),rlm; وألا يكون مركزا أو فرعا لتنظيم دوليrlm;(rlm; وتنظيمهم الدولي أغلي عندهم من أن يفرطوا فيهrlm;),rlm; وألا تكون له تشكيلات سرية أو عسكرية أو شبه عسكريةrlm;(rlm; فماذا يفعلون في جهازهم السري وتشكيلاتهم شبه العسكرية؟rlm;).rlm;

والأهم من هذا كلهrlm;,rlm; هو أن يخضع الحزب ماليته إيرادا وصرفا لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبةrlm;,rlm; وهو أمر لا يمكن ـ أكرر لا يمكن ـ أن تسمح به الجماعة لأن السماح به سيكشف أوراقا لا تريد لها أن تكشفrlm;.rlm; ولهذا قالوا إنهم لن يتقدموا للجنة الأحزابrlm;..rlm; وهكذا يقررون ومنذ البداية أنهم سيبقون خارج إطار الشرعية ولا يكونون حتي حزبا تحت التأسيسrlm;..rlm; وأنا شخصيا ممن يرون الا ضرورة لوجود لجنة الأحزابrlm;,rlm; لكن الموقف السياسي شيء وضرورة الالتزام بالقانون شيء آخرrlm;.rlm;

ويبقي سؤال بسيطrlm;:rlm; هل تتصور الجماعة أننا سذج إلي الحد الذي نقبل به هذه المناورة غير المحبوكة؟rlm;..rlm; أم أن الأمر كله مجرد بالون اختبار؟