الحريري يدعو إلى التوقف أمام الخط الأحمر من أجل الحوار وجعجع يحذر من حرب أهلية ...

باريس، بيروت - رندة تقي الدين


أوقف حظر التجول الذي نفذه الجيش اللبناني ليل أول من أمس الصدامات بين أنصار laquo;حزب اللهraquo; وحركة laquo;أملraquo; وحلفائهما من جهة وأنصار laquo;تيار المستقبلraquo; وحلفائه من جهة ثانية، والتي شهدتها العاصمة بيروت وامتدت توتراً خارج المدينة وفي بعض المناطق اللبنانية. لكن الاحتقان المذهبي والسياسي المتراكم نتيجة التعبئة الإعلامية والسياسية المستمرة منذ شهور، بقي ماثلاً، وبقيت عودة الحياة الطبيعية الى العاصمة خجولة أمس. وغلب استمرار القلق على وجوه وتنقلات اللبنانيين الذين أرعبتهم صدامات الخميس، وأخذت طابعاً مذهبياً حاداً، وتسببت في فلتان الغرائز في معظم أحياء العاصمة ما أنبأ بأنهم على قاب قوسين من تجدد فظائع الحرب الأهلية في مناطق سنّية ndash; شيعية شديدة التداخل.

وفيما راحت المناطق التي تعرضت للصدامات وما رافقها من حرق سيارات وتكسير محال تجارية، تلملم خسائرها وتعالج الأضرار وسط نقمة المواطنين على كل الأفرقاء، شيّع الشابان اللذان سقطا إبان الاشتباكات في بلدتي تمنين وسرعين في البقاع، وهما حسن مرتضى وخليل شومان، وأعلن laquo;حزب اللهraquo; انهما سقطا laquo;من أجل رفض الظلمraquo;، مؤكداً رفض العودة الى أيام الاقتتال والحرب والقنص.

وقالت مصادر أمنية ان عدد الموقوفين في أحداث أول من أمس بلغ عشرين، وأكدت الأنباء عن توقيف الجيش شخصين اشتبه في ممارستهما القنص في محيط جامعة بيروت العربية حيث اندلعت الصدامات، أحدهما سوري الجنسية والثاني فلسطيني.

وتحدثت مصادر سياسية متعددة أمس عن مراهنات لدى قيادات في الأكثرية والمعارضة على الاتصالات السعودية ndash; الإيرانية، لعلها تنتج مناخاً ايجابياً يوفر مخارج من الأزمة السياسية المتفاقمة في لبنان. وأشار بعض هذه المصادر الى حصول تقدم في هذا المجال لكنها لم تتبلغ أي تفاصيل عنه. وغادر بيروت الى الرياض سفير المملكة العربية السعودية عبدالعزيز خوجة عصر أول من أمس، وقالت مصادر رئيس المجلس النيابي نبيه بري انه حمّله رسالة الى المسؤولين السعوديين تتناول خطورة الوضع وتمنيه ان تنجح مساعي الرياض لأن الفلتان الأمني في لبنان كاد يتطور لولا حظر التجول، بعد التشاور بين القيادات السياسية على هذه الخطوة، من دون ان تشمل الاتصالات الحلول السياسية.

وتلقى بري عصراً اتصالاً من الرئيس الفرنسي جاك شيراك أطلعه خلاله على ما تحقق في laquo;باريس ndash;3raquo;. وقالت مصادر بري انه شكر الرئيس الفرنسي على دعمه وصداقته للبنان. وأجرى شيراك اتصالاً بالبطريرك الماروني نصر الله صفير للغرض نفسه.

وعقد رئيس الهيئة التنفيذية في laquo;القوات اللبنانيةraquo; الدكتور سمير جعجع مؤتمراً صحافياً توجه فيه الى السيد نصر الله وزعيم laquo;التيار الوطني الحرraquo; العماد ميشال عون، محذراً من أن laquo;بعض الاحزاب والقوى في المعارضة تحاول ان تسقط الحكومة والنظام كله بالقوة وما حصل الثلثاء يبين ان التحرك لم يكن ديموقراطياً وان هناك نية لإسقاط الوضع بالضربة القاضيةraquo;. وقال لنصر الله: laquo;الكلام الذي تقولونه والخطوات التي تقومون بها هي التي تؤدي الى الفتنة وكلنا نعرف ان الحروب في الدنيا بدأت بكلمةraquo;. واستشهد بعبارات لنصر الله، واتهمه بأنه laquo;يهددنا اذا لم نعطه ما يريد وهذا مرفوضraquo;. كما دعا عون الى العودة الى اتفاق حصل معه يقضي بتحييد منطقة جبل لبنان عن الصراعات.

وغلبت على خطب الجمعة من رجال الدين السنّة والشيعة الدعوة الى التهدئة، وأصدرت كتلة نواب بيروت تيار laquo;المستقبلraquo; بياناً رأى في laquo;التصعيد المجنون في الشارع مهما كانت عناوينه إدخالاً بأسره في المجهولraquo;. ورأت الكتلة ان laquo;ما جرى الثلثاء (قطع الطرقات في ظل الإضراب الذي دعت اليه المعارضة) والخميس يجعلنا نطالب بعودة العقل والاكتفاء بشهرين من احتلال قلب العاصمة (اعتصام المعارضة المستمر منذ 1 كانون الأول/ ديسمبر) وتحويله قاعدة للانقضاض على شوارعها وأمنهاraquo;. وطالب laquo;الآخرين بسحب ميليشياتهم والعودة الى المجلس النيابيraquo;.

وعاد الى بيروت عصر أمس رئيس الحكومة فؤاد السنيورة بعدما ترأس وفد لبنان الى العاصمة الفرنسية، وألغى مشاركته في المنتدى الاقتصادي العالمي السنوي في دافوس. واجتمع السنيورة أمس الى وزير المال الكويتي في باريس وأجرى اتصالاً بالأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى.

وكان السنيورة قال في باريس: laquo;ان المشكلة الواقعون فيها هي إقفال باب التواصل، وكأن كلاً منا في غرفة يتكلم وحده والآخر لا يسمعه، وهكذا هو حال النزول الى الشارع، ولكن مهما حصل فإن مصير اللبنانيين في النهاية ان يجلسوا معاً... لنختصر الطريق ونجلس معاً ونخرج من الشارعraquo;.

وعن تطبيق القرار 1701 وانتشار الجيش في الجنوب أوضح أنه laquo;في حال وجد الجيش أي نوع من أنواع السلاح فله الحق في مصادرته وهذا مدون في محاضر مجلس الوزراءraquo;. وأشار الى أن الجيش laquo;قرر معالجة الامور (الثلثاء الماضي) بأفضل طريقة ممكنة والجيش والقوى الأمنية ستبقى متماسكةraquo;.

وأوضح رداً على سؤال عن المشاركة في الحكومة ان الاخيرة laquo;قدمت أكثر الحلول ابداعاً. ففي النظام الديموقراطي تحكم الأكثرية ولكن نريد ان نشارك الاقلية ونطمئنها لكن نريد ان نأخذ منها القدرة على الفرض والتعطيلraquo;.

كلمة الحريري

الى ذلك، وجه رئيس كتلة laquo;المستقبلraquo; النيابية سعد الحريري كلمة الى اللبنانيين والقيادات المسؤولة ليل أمس، دعاهم فيها الى laquo;تحكيم الضمائر والمصلحة الوطنية العليا التي يجب ان تعلو فوق أي مصالح اخرىraquo;، والى laquo;وقفة مسؤولة لانتهاز فرصة نجاح مؤتمر laquo;باريس ndash;3raquo; لعلاج المشكلات الاقتصادية والمالية التي يعاني منها لبنان، لأنها فرصة قد لا تتكرر، والى السعي لاخراج لبنان من حلبة الفوضى والفلتانraquo;. وشدد على ان laquo;لا بديل امام القيادات من طاولة الحوارraquo;، وعلى أن هذه هي دعوته المتجددة الى السيد حسن نصر الله وقيادة laquo;حزب اللهraquo; لأن laquo;الكل اصبح امام الخط الأحمر، وهنا يجب ان نتوقف ونتراجع الى خطوط الحوار، وتشجيع المبادرات التي تبحث عن مخارج حقيقية لأزمتنا الوطنية، بما في ذلك مبادرة الأمانة العامة لجامعة الدول العربيةraquo;. وأضاف: laquo;انني من موقع المسؤولية الوطنية... لا استطيع إلا ان انظر بعين الاعتزاز والفخر لذلك الانجاز العظيم الذي حققه لبنان في مؤتمر باريس ndash;3، على رغم الاهوال التي احاطته في الساحة الداخلية، وأعمال الشغب التي ما كان في مقدورها ان تشاغب على النجاح اللبناني المميز في إطلاق أوسع حملة دعم لبلدنا الجريحraquo;. وشدد على أن الاكثرية الساحقة من اللبنانيين تريد للبنان ألا يبقى رهينة سياسية وأمنية او اقتصادية لأي مشاريع خارجية حتى لو كانت هذه المشاريع صادرة عن أقرب الأشقاء والأصدقاءraquo;. وأكد أن الفتنة أشد من القتل وتطورات الساعات الماضية لا يجوز ان تحول الى نار تحت الرماد ونار الفتنة يجب ان تخمدraquo;.

التقويم الفرنسي للأحداث

وفي باريس أجمعت مصادر غربية رفيعة المستوى على القول إن المعارضة اللبنانية أرادت عشية مؤتمر laquo;باريس ndash;3raquo;، توجيه رسالة الى الأسرة الدولية مفادها ان حكومة السنيورة ضعيفة يمكن إسقاطها في أي لحظة.

وقالت المصادر لـ laquo;الحياةraquo; ان المعارضة laquo;قامت بعرض للقوة الثلثاء الماضي، لتظهر قدرتها على التخريب، لكنها بذلك تجاوزت عدداً من الخطوط الحمر، منها الخط المتعلق بقلق وخوف اللبنانيين، وأيضاً ماهية المراحل المقبلة لتحركاتها، خصوصاً ان المعارضة أخذت المطار رهينة، وفرضت حصاراً مماثلاً للحصار الاسرائيلي في الصيف الماضيraquo;. وأضافت ان laquo;كل هذا أدى الى جدل واختلاف في الرأي في صفوف المعارضة، بالنسبة الى تجاوز الخطوط الحمر، وعدم الرغبة في العنف ما أدى الى حالة من العصيانraquo;. وأشارت الى ان الجيش اللبناني أبدى الثلثاء حذراً مبالغاً في بعض الأحيان، اذ تدخل فقط للفصل بين الأطراف ولم يمنع المتظاهرين من إغلاق الطرق المؤدية الى المطار فيما كان ينبغي أن يفتحها.

وذكرت المصادر ان الأوضاع كانت تختلف بالنسبة الى قادة الوحدات على الأرض، laquo;فبعض قيادات هذه الوحدات أثبتت شجاعة اكثر من سواهاraquo;. ورأت ان قائد الجيش العماد ميشال سليمان laquo;اعتمد حذراً مبالغاً فيه قد يبرره انه يريد البقاء على علاقة جيدة مع كل الأطراف في إطار أمنيته الوصول الى الرئاسةraquo;. وأشارت المصادر الى معلومات عن laquo;اتفاق بين laquo;حزب اللهraquo; والجيش يقضي بألا يفتح الجيش طريق المطار ويتركها للحزبraquo;، مبدية استغرابها لتسليم أمن طريق المطار وغيره من الطرق الأساسية لأطراف تتظاهر في الشوارع.