عبد الرحمن الراشد

معركة كافتيريا الجامعة العربية في بيروت أثبتت فقط المقولة السائدة، انه لا أمل في استقرار لبنان. بلد مركب غير متجانس، وسيظل في حالة شغب دائمة. ربما هذا ما نقوله على اعتبار أن لبنان متعدد الألوان دينيا وسياسيا، ويحمل في داخله إرثا ثقيلا من النزاعات المحلية الموروثة.

لكنني أجزم أن هذا ليس صحيحا لو وضع لبنان على المسار الصحيح مرة واحدة، لا على طريق الحلول المؤقتة. فالتبرير بأنه خلاف اثني غير دقيق، بدليل أن أهل الطائفة أنفسهم اختلفوا حتى سالت الدماء بينهم، أي أننا أمام قضية نظام، لا مشكلة مجتمع، وهذا يمكن أن ينطبق على أي بلد آخر، مهما كان منسجما أو معقد التركيبة. فانا أكتب مقالي هذا من دافوس السويسرية، التي تحتضن مؤتمرها الدولي السنوي، والبلد دليل حي لا يمكن أن يخطر على بال أن يكون مستقرا كونه، أكثر تعقيدا من لبنان، عاش مئات السنين باختلافاته في سلام. بلد لا متعدد المذاهب وحسب، بل حتى اللغات من ألمانية إلى فرنسية وإيطالية. فيه حافظت كل فئة على خصائصها ضمن نظام واضح القوانين من واجبات ومسؤوليات.

وليس صعبا أن يتم تفصيل صيغة تعايش ديموقراطية تحفظ للبنان كيانه وتؤمن سلاما دائما. وكأي نظام، تحتاج الصيغة إلى حماية داخلية راسخة، والتزام دولي بدعمها. الحماية الداخلية الأكيدة هي الجيش، لو منح دورا واضحا كما في الحالة التركية ليضمن بألا أحد من أهل الحكم يتجاوز الصلاحيات الدستورية. أما الالتزام الدولي، فيعني تفعيل الحماية السياسية من التدخلات الخارجية. وقد يبدو هذا في هذا الطرح تبسيطا لتشابكات بين دول الإقليم وانعكاسات التجاذبات بين القوى الدولية، لكن كأي نزاع يحتاج إلى طرح عملي مهما بدا بسيطا.

فاتفاق الطائف جاء مؤقتا ليؤسَّسَ عليه نظام أكثر وضوحا وقدرة على الاستمرارية، ويحتاج إلى تكليف الجيش للقيام بدور الشرطي. هنا لا يستطيع فريق أن يعلن التمرد فقط لأنه غير راض عن الوضع القائم، كما هو الحال عليه مع حزب الله، أو الجنرال عون لأنه يريد الرئاسة بأي ثمن. ولا يستطيع فريق أن يقرر ما يشاء لأنه في الحكم، كما يتهم بذلك فريق 14 آذار اليوم.

نحن أمام مبررات للتقاتل على السلطة يستفيد منها كل طرف للتقدم على الأرض، مدركا أن الجيش لن يتدخل ولا توجد محكمة عليا يحتكم إليها، ولا قوة دولية ستتحرك، وهكذا تصبح البندقية هي اللغة الحاسمة.

انه يصعب عليَّ أن اصدق أن اللبنانيين طلاب مشاغبون على مدى أربعين عاما، في حين نرى أنهم في الخارج، يقال نحو خمسة ملايين، ناجحون في تعايشهم وانخراطهم مع أجناس أكثر غرابة من أهلهم.

[email protected]