علي علاوي - الاندبندنت

الآن، وصلت الدولة العراقية التي تم إنشاؤها في أعقاب الحرب العالمية الاولى الى نهايتها. وتناضل خليفتها في الاثناء من أجل أن تولد في بيئة موسومة بالأزمات والفوضى. ففي الوقت الذي ينذر فيه كامل النظام في الشرق الاوسط بالانهيار، يطلق المرجل العراقي العنان للقوى في المنطقة، والتي ما انفكت تبني نفسها بمكر خلال العقود الماضية.

وتطلب الأمر غزو العراق واحتلاله بقيادة اميركية، ثم سوء إدارة البلاد، سواء من قبل سلطة الائتلاف المؤقتة أو ما تلاها من الحكومات العراقية المتعاقبة حتى تصل الأمور إلى هذا الوضع الخطر.

أما ما كان يفترض فيه ان يكون عملية مباشرة للاطاحة بدكتاتورية واستبدالها بديمقراطية ليبرالية وعلمانية في ظل رعاية وإشراف حميد من الولايات المتحدة، فقد تحول بدلا من ذلك الى معركة وجودية من اجل الهوية والسلطة والشرعية، وعلى نحو لا يؤثر على العراق فحسب، وإنما أيضاً على كامل نظام الدولة المتعثر في الشرق الاوسط.

إن حرب العراق هي معضلة كونية من الطراز الاول، والتي سيؤثر حلها على مسار الاحداث في الشرق الاوسط وما وراءه لوقت طويل. وما نشهده في العراق هو بداية تداعيات لنظام غير عادل وغير مستقر كان قد نحت على حطام الامبراطورية العثمانية، وتكون طوال ما يقارب قرناً من الزمن من خليط من الاحتلال الأجنبي والتدخل الخارجي والدكتاتوريات الوحشية وحكم الأقلية.

وفي نفس الوقت، فشلت هذه الدكتاتوريا بامتياز في اضفاء احساس دائم بمشروعية سلطتها او اشراك مواطنيها في حكوماتهم او توفير الرفاه أو مستوى لائق للعيش لدى شعبها.

التحديات الرئيسة

يمكن تشخيص طبيعة ومقدار الازمة العراقية في نجوم اربع قضايا حيوية وقفت في وجه مشروع اعادة تشكيل دولة العراق. وبشكل او بآخر، فان هذه القوى تؤثر ايضا على بلدان الشرق الاوسط العربية وعلى تركيا وايران، كما وعلى العلاقات فيما بين كل هذه الأطراف:

اولا: قلب الغزو العراقي للكويت كل الموازين لصالح الشيعة الذين يبدون اصرارا في الوقت الراهن على البروز كاغلبية حاكمة بعد عقود, ان لم يكن قرونا, من تجريدهم من السلطة وتعرضهم للقمع. ولا يمكن, في الاثناء, تقدير حجم تبعات هذا التحول التاريخي داخل العراق وغيره من البلدان في الشرق الاوسط.

ثانياً: كان من شأن غزو العراق أن يضفي الشرعية على المنطقة شبه المستقلة التي شكلها اكراد العراق في العقد الماضي. وقد تلقى الاكراد الذين تم الاعتراف بحقهم في تقرير المصير في معاهدة سفريس في عام 1920 ثم تم تجاهلها لاحقا من قبل دول الشرق الاوسط لما بعد العهد العثماني, تلقوا دفعة هائلة في مسيرتهم نحو الاعتراف بوضعهم الفريد من نوعه.

أما ما تبقى قيد التقدير فهو المدى الجغرافي للمنطقة الكردية في العراق، وما اذا كانت ستتمتع بمدخل لائق الى موارد تلك المنطقة. وهو ما قد يبدو بشكل ما محطة على بدايات طريق تشكيل دولة كردية. اما التحديات التي ستقف امام وحدة الأراضي او تحصيل اعتراف تركيا وايران وسورية الآن او في المستقبل، فهو جانب آخر مرعب من آثار الاطاحة بدولة البعث القديمة.

ثالثاً: ان الطرح غير العادل والمعد بشكل بائس وفوضوي في العراق لقواعد ديمقراطية خاصة بإجراء الانتخابات وصياغة الدستور وهياكل الحكم، إنما يشكل خروجاً صارخاً على طبيعة الأنظمة السلطوية والدكتاتورية التي سادت في الشرق الاوسط. وفي الوقت الذي تميزت فيه التجربة العراقية حتى الآن بالعنف والممارسات الشاذة والاستقواء، فإن من المرجح لها ان تستمر كآلية يتم من خلالها اختيار الحكومات في المستقبل.

واخيراً، فقد تزامن سقوط نظام صدام مع محاولات ايران تكريس نفوذها وضمان الوصول الى نفوذ إقليمي. ولم توضح إيران لدول المنطقة اي هدف نهائي تسعى إليه، ما استدعى نجوم تحذيرات من وجود مخططات ايرانية للهيمنة، ومن تكون quot;أهلة شيعيةquot;. وتتسم الردود التي يجري وضعها على التهديد الملموس بانها مرعبة في تبعاتها، خاصة مع إيلاء هذه التبعات النزر اليسير من الاهتمام فيما يتعلق بالسلام والاستقرار في المنطقة.

لقد تم استخدام العراق كورقة لايران ثوروية خلال الحرب العراقية الايرانية وما تمخضت عنه من عواقب كارثية على البلدين. وربما نشهد حاليا ردا انتقاميا محتملا تكون نتائجه كارثية, في حال وجد مهووسو الحروب الجدد سبيلا الى ذلك, لانها ستضرب قلب مجتمعات هشة في الشرق الاوسط. وسيدخل الشيعة في صراع مع السنة، ليس في العراق فقط، وإنما في لبنان ودول الخليج.

مخاطر التمرد السني

في العالم العقيم الذي تشكله سياسات نقطة الصفر، فإن فقدان قوة المجموعة العربية السنية في العراق سرعان ما تحول الى تمرد مستعر، لم يتحد الاحتلال الاميركي فقط، وإنما التوزيع السياسي الجديد أيضاً.

تغذى التمرد السني على مشاعر الامتعاض العميق الذي شعر به السنة العرب نتيجة لفقدانهم السلطة والمكانة. وتفاقم الأمر بسبب تمكن قوة غير متوقعة أبداً من تحقيق المستحيل؛ وهو إزالة تلك الجماعة عن عرش احتلوه لقرون من السلطة لصالح ما يرون أنه حثالة من رجال الدين الفرس. وفي الغضون, أفضى رفض السنة العرب تأييد اي مشاركة جادة لهم في النظام السياسي الجديد الى دفعهم بقوة الى طريق غير نافذ، وهو ما مال لصالح اعدائهم الأكثر تصميماً وعزيمة. وامست الدولة تسير الان، وبشكل لا يرحم، تحت سيطرة الاسلاميين الشيعة، مع وجود دور داعم للاكراد. وتمتد حدود بغداد المسيطر عليها شيعياً باتجاه الغرب باستمرار بحيث ان العاصمة نفسها قد تصبح, عن بكرة ابيها, تحت إبط المليشيات الشيعية.

إن الشيء الوحيد الذي يمكن أن يوقف ذلك هو انتشار قوات اميركية لصد دخول مليشيات شيعية بالقوة الى هذه الضواحي المختلطة او السنية. أما المساحة الجغرافية خارج بغداد، والتي يمكن أن تقوى فيها شوكة التمرد، فيمكن لها أن تسود. لكن البلد سيواجه الانقسام لا محالة. وفي ظل هذه الظروف، فإن قوة الميزة السكانية يمكن موازنتها بشكل معاكس من خلال تعويل العرب السنة على الدعم من دول عربية مجاورة وحسب. ومن غير الخافي أن مثل هذه النتيجة تستطيع ان تفضي الى دولة عراقية مستقرة، ما لم يقهر جانب او اخر معارضيه او أن يعمل على قسمة البلد الى دول منفصلة.

أثر صعود الشيعة

إن الجواب عن هذه التحديات الوجودية الناجمة عن غزو العراق، سواء في داخل البلد أو في العالم العربي على حد سواء ما تزال تثير الذعر والخوف، وممن المحتمل أن تكون كارثية على استقرار المنطقة وفرص سكانها.

وفي الاثناء, ما تزال الدول العربية في الشرق الاوسط غير قادرة على التكيف مع تطورات الاحداث في العراق، ولا يتأتى ذلك من الآثار السلبية للتغيرات التي حدثت هناك. فقد اضمحل هذا الأمر فعلاً ولم يعد العراق يُرى كنموذج لأي شيء. كما أن للأمر قليل صلة مع عدم الاستقرار الذي قد يتولد نتيجة للعنف في البلد، في حين انه ليس ذا صلة أكبر بقبول كمية غير معروفة في نظام يستطيع بالكاد ان يعترف بالتعددية والديمقراطية، ناهيك عن ارتقاء الشيعة في العراق.

لا تقبل بعض الدول السنية في المنطقة مثل مصر والسعودية وغيرها، وهي ركيزة النظام الأمني الاميركي في العالم العربي من حيث المبدأ، بعراق مسيطر عليه شيعياً. وكل لها حجتها. وستعمل هذه الدول كل ما باستطاعتها لافشال مثل هذا الاحتمال. اما الاخفاق في ذلك فسيفضي الى محاولة عزل هذا الكيان عن المؤسسات الاقليمية.

الاثار على الشرق الاوسط

على هذه الخلفية يتم طرح الحلول لحل الازمة العراقية. ومع ذلك، وبدلاً من معالجة المشكلة في اطار اعرض بكثير، فان كل طرف يبدي تصميما على التشبث بموقفه الضيق بغض النظر عن تبعات ذلك على المجتمعات والمجموعات والدول الاخرى.

وفي الاثناء يجري نثر بذور مائة سنة اخرى من الازمة حاليا، مع توجه الشرق الاوسط الى عقود من الاضطراب واستفحال الكراهيات والاحقاد غير المنتهية. ولعل اكثر القضايا خطورة بروز واستفحال الخلافات الطائفية بين الشيعة والسنة. وهو موضوع خطر للغاية لانه لا يؤثر على العراق فحسب، وإنما ايضا على المملكة العربية السعودية وسورية ولبنان وبلدان الخليج. كما ويبدو من المعقول ظاهريا ان يكون ثمن صعود الشيعة في العراق, اذا ما فهم كذلك, هو ممارسة المزيد من الضغط على المجموعات الشيعية الهشة في بلدان الخليج. وثمة اصلا اعادة اشعال لفتيل خطاب معاد للشيعة في عودة مشابهة بشكل ملحوظ إلى النمط الذي رافق حملة قادتها المملكة العربية السعودية لاحتواء الثورة الايرانية في الثمانينيات من القرن الماضي. وكان من تبعات ذلك نجوم ثقافة الجهاد التي شكلت رأس حربة الارهاب الجماعي والتفجيرات الانتحارية.

وقد يكون من شأن ذلك أن يؤدي الى نشوب حرب في كامل المنطقة، او حتى الى التحرك المجير للشعوب نظرا لان البلدان الخائفة تسعى لحجر او ابعاد السكان الشيعة.

الحل

يتطلب الحل رؤية اصيلة وزعامة دولة تسحب الشرق الاوسط من براثن الدمار. وتكمن عناصر الحل الممكن اذا توفرت الارادة للمطالبة ببديل لسياسات الخوف والتعصب الديني والكراهية. ولعل الخطوة الاولى تكمن في الاعتراف بان حل أزمة العراق يجب ان يولد من الداخل اولا، ثم يتم توسيعه على المستوى الاقليمي. ويظل الأمران مرتبطين لأن الحل الناجح لاحدهما سيفضي الى حل الاخر.

على انه يجب عدم السماح لاي قوة اجنبية مهما كانت جيدة ان تملي شروطها لفرض تسوية تاريخية ومستقرة في الشرق الاوسط. ذلك انه لا توجد اي منطقة اخرى في العالم يمكن ان تقبل مثل هذا التدخل العابث في شؤونها. وذلك لا يعني القول بأنه يجب عدم ايلاء اهتمام كاف للمصالح المشروعة للقوى العظمى في المنطقة، لكن مستقبل المنطقة يجب أن لا يترك رهينة لمخططاتهم ومصالحهم الخاصة.

كانت الولايات المتحدة هي التي دشنت هذه المرحلة اللامتناهية من ازمة الشرق الاوسط من خلال غزو العراق وتولي المسؤولية المباشرة عنه. وقد ذهب اي مشروع كان لديها للعراق ضحية للسياسات غير المناسبة وغير المتماسكة ولجوء هياكل السلطة في العراق الى العنف. ومع ذلك، فان الولايات المتحدة لا تزال اللاعب الاقوى في تحريك أزمة العراق، ويمكن ان تسفر قراراتها عن تغيير الاتجاه والطريقة التي تتكشف عنها الاحداث.

لقد سبق للولايات المتحدة أن استخدمت نفوذها الهائل وقتها في مناطق أخرى من العالم لتعزيز الامن الاقليمي والروابط الاقتصادية. وليس من سبب يفسر لماذا لم تستطع الروابط الاقليمية التي يجري الترويج لها مع وجود دولة عراقية لامركزية لعب دور مهم في حل الازمة العراقية، وفي ابعاد الغيوم الخطرة التي تتهدد المنطقة.

الاقتراحات العراقية

1- تدعو حكومة العراق الى عقد مؤتمر أمني اقليمي يضم جيران العراق للتوصل الى اتفاق حول عدم التدخل ومحاربة الارهاب. وستكون الدول الموقعة مسؤولة عن تحديد شروط الالتزام.

-الهدف: خفض أو إنهاء دعم البلدان المجاورة للمتمردين والارهابيين والميليشيات.

2- تدعو الحكومة العراقية الى مؤتمر تحضيري لكونفيدرالية من دول شرق أوسطية تتولى بحث اقتراحات خاصة بإنشاء اتحاد اقتصادي وتجاري واستثماري. وستقدم اقتراحات لعقد اجتماع حول الحقوق المدنية والانسانية والاقليات في الشرق الادنى مع تشكيل محكمة/هيئة قضائية ذات صلاحيات تنفيذية.

- الهدف: رفع مستوى التكامل الاقتصادي الاقليمي وتوفير حماية وطنية ممتازة للاقليات لدى الدول الموقعة.

3- تدعو الحكومة العراقية لعقد مؤتمر دولي حول العراق يضم العراق وجيرانه الاقليميين: مصر ودولة الامارات العربية المتحدة والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا والمانيا وروسيا والصين، يستهدف اصدار ضمانات للمعاهدة:

أ- الخطوط الامامية للعراق.

ب- المبادئ العريضة للترتيبات الدستورية في العراق.

ج- تأسيس قوة دولية متعددة الجنسيات خلال فترة تمتد ما بين 12 الى 18 شهرا. وتعيين منسق دولي للاشراف على تنفيذ المعاهدة.

- الهدف: الترتيب لانسحاب تدريجي ومنظم للقوات الاميركية وضمان أن يطور العراق خطوطاً عاماً دستورية ويؤكد على حدود العراق وجيرانه العامة.

4- تدخل الحكومة العراقية تغييرات في الحكومة عبر تشكيل هيئتين قانونيتين بتمويل ذاتي ومجالس مستقلة:

أ- مجلس اعادة اعمار وتطوير يديره محترفون وتكنوقراطيون عراقيون مع دعم من البنك الدولي/الامم المتحدة.

ب- مجلس الأمن, الذي سيشرف باحتراف على وزارات الدفاع والداخلية والاستخبارات والأمن القومي.

- الهدف: سحب برنامج اعادة الاعمار والتطوير من أيد غير كفؤة وتحويله الى هيئة غير سياسية وحرفية ومستقلة. وأيضا لتغيير الاشراف والقيادة والسيطرة على الوزارات الأمنية من يد السيطرة الحزبية السياسية واناطتها بهيئة مستقلة ومحترفة ومسؤولة.

5- يجب عرض كل خطة السلام وحقوقها وتفصيلاتها على البرلمان العراقي لاقرارها.