صالح القلاب

الآن يطرح العرب على أنفسهم سؤالاً أو يُطرح عليهم هذا السؤال : عندما يكون هناك خياران لا ثالث لهما هما إما الإصطفاف الى جانب إيران أو الى جانب الولايات المتحدة ، بالنسبة لهذا الصراع المتعاظم والذي قد يصل الى المواجهة العسكرية إذا بقيت الأمور متوترة على هذا النحو ، فأي خيارٍ يجب إختياره ...؟ .

بداية لابد من التذكير بأن العرب بغالبيتهم إن لم يكن كلهم قد إختاروا الإنحياز الى الولايات المتحدة ضد إيران بعد الثورة الإيرانية مباشرة وأول المنحازين كان صدام حسين الذي حارب الإيرانيين بالوكالة لمدة ثمانية أعوام إذْ أن المصالح الأميركية والمصالح العربية قد تلاقت في تلك الفترة عند نقطة واحدة هي لجم هذه الثورة التي بادرت وعلى الفور الى التطلع خارج الحدود بعد إنتصارها على نظام الشاه محمد رضا بهلوي في شباط ( فبراير ) العام 1979 .

ثم وبعد ذلك وبعد خمسة عشر عاماً جاء دور إيران الثورة لتلتقي مصالحها مع المصالح الأميركية عند نقطة حاجة الدولتين ، الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية ، الى التخلص أولاً من نظام طالبان في أفغانستان الذي شكل حاضنة لتنظيم القاعدة بالنسبة للأميركيين وغدا شوكة سنيَّةً في الخاصرة الإيرانية والتخلص ثانياً من نظام صدام حسين ولهذا فقد أغمضت واشنطن عيونها بغباء ما بعده غباء عن تدفق مخابرات وقوات الحرس الثوري الإيراني ومعها الميليشيات ، التي ولدت في حضن هذه المخابرات ، عبر الحدود الإيرانية - العراقية بعد احتلال العراق مباشرة وبقيت تتدفق حتى الآن .

لكن هذه المعادلة الشيطانية ما لبثت أن أصابها اهتزاز كبير ، وهذا يحدث دائماً في كل المعادلات السياسية والعسكرية عبر التاريخ ، فعندما وجد الإيرانيون أنفسهم وقد باتوا في الوضع الذي يمكنهم من فرض أنفسهم كرقم رئيسي ليس في العراق فقط وإنما في المنطقة كلها وكقوة إقليمية أساسية لا يجوز التعاطي مع شؤون وشجون هذه المنطقة بدونها إنتقلوا من خنادق الصداقة للولايات المتحدة الى خنادق المواجهة وعبر الجبهة العراقية والجبهة اللبنانية والجبهة الفلسطينية .

ولهذا وقد تحول الأميركيون والإيرانيون من أصدقاء ، يغمض كل طرف منهم عيونه عن الطرف الآخر ، وقد وانتقلوا من حالة غض النظر الى حالة المواجهة فإن السؤال الذي بات مطروحاً على العرب من قبل أنفسهم ومن قبل الآخرين عليهم هو : ما هو الموقف الصحيح .. هل هو بالإنحياز الى هذا الطرف أو ذاك أم هو باتخاذ موقف الحياد السلبي وكأن كل هذا الذي يجري في كوكب والكتلة العربية في كوكب آخر ..؟! .

لقد أضاع العرب ، والمعني هنا هو الدول التي باتت تشعر بالخطر الإيراني الزاحف ، فرصة تاريخية عندما تركوا الأمور تجري لغير مصلحتهم وبقوا يراقبون تطورات العراق بعد إحتلالها وكأن هذا الأمر لا يعنيهم وذلك في حين أنه كان عليهم ان يتحركوا بسرعة وأن يضعوا أنفسهم في قلب المعادلة المستجدة وألا يجعلوا الأمور تصل الى ما وصلت إليه وهم يتفرجون .

إن ما ذهب قد ذهب والآن وبدل البكاء على قدح اللبن الذي انسكب فإنه لابد من الإسراع لالتقاط اللحظة التاريخية لحماية هذه المنطقة من اللعبة الدولية التي باتت تضغط عليها من كل اتجاه وهنا وإذا كانت هذه اللعبة الدولية تقتضي الإنحياز إما الى الإيرانيين أو الى الأميركيين وأنه لا خيار غير أحد هذين الخيارين فإنه عليهم أن يخضعوا هذا الى مقتضيات مصالحهم بعيداً عن العواطف الكاذبة وأنه عليهم أن يفعلوا ما فعلته إيران التي كانت تحالفت مع أميركا وتخلصت من نظام طالبان في أفغانستان ومن نظام صدام حسين في العراق لأن مصالحها اقتضت ذلك