عباس الطرابيلي



كأن المنطقة أصبحت أكثر مناطق العالم اضطراباً، واشتعالاً وحروباً. وزمان كانت منطقة البحر الأسود ومضيقا الدردنيل والبوسفور هي أخطر المناطق، وحولها وبسببها نشبت الحروب الكثيرة بين الدب الروسي العملاق الطامع في الوصول إلي المياه الدافئة.. وبين تركيا التي كانت أكبر إمبراطورية في زمانها.. وهي المنطقة التي عرفت أحياناً باسم منطقة القرم..

ثم أصبحت منطقة البلقان هي بؤرة الصراع في المنطقة، ليس فقط بهدف الاستقلال عن تركيا المسلمة العثمانية، ولكن بسبب تنوع واختلاف أعراقها وأصولها الجنسية، حتي اندلعت بسبب أحداثها الحرب العالمية الأولي بسبب اغتيال ولي عهد النمسا في بلغراد.. والغريب أن مصر اشتركت ـ عسكرياً ـ في المشكلتين: حرب القرم.. وحروب البلقان raquo;المورة أي اليونانlaquo;!!.

** ولكن بؤرة المشاكل والمخاطر والحروب انتقلت إلي الشرق الأوسط لأسباب جديدة هي محاولة أمريكا وراثة الاستعمار القديم وإنشاء إمبراطوريتها فيها.. ولم تتعلم من هزيمتها في فيتنام..

بدأت العملية ـ في السنوات الأخيرة ـ بحرب أفغانستان ـ حقيقية دفعت أمريكا رجالها لمقاومة الوجود السوفيتي فيها، ثم لم تجد حرجاً من أن تتدخل بقواتها واحتلت أفغانستان لتقضي علي حكومة طالبان بحجة مقاومة الإرهاب.. ليكون تواجدها العسكري مباشرة علي الجمهوريات السوفيتية السابقة وعلي روسيا نفسها.. وغير بعيد عن الدب الصيني اليافع العفي الكبير!! والأهم تكون عيونها علي بترول جمهوريات بحر قزوين!!

** ثم ابتدعت حكاية تملك العراق لأسلحة هجومية خطيرة.. رغم أن إسرائيل كانت قد دمرت المفاعل النووي العراقي عام ،1980 رغم أن أمريكا كانت وراء تضخم قوة صدام حسين العسكرية.

وأخذت أمريكا تضخم حكاية مخاطر العراق علي المنطقة، خصوصاً بعد أن هاجم صدام الكويت واحتلها.. فكان ذلك السبب الأساسي لدخول أمريكا العسكري الكبير في المنطقة كلها وأصبحت حقول البترول الخليجية تحت مرمي العسكرية الأمريكية.. وأصبح التواجد العسكري الأمريكي واقعاً مراً.

** وتأتي الخطوة الجديدة: تهديد إيران وتخطيط أمريكا لتوجيه ضربة قوية لها، بعد أن استعادت إيران قوتها العسكرية التي دمرتها العراق في حرب السنوات الثماني raquo;1980 ـ 1988laquo; وبعد أن ساعدتها عائدات البترول الكبيرة علي بناء قاعدة لا يستهان بها، حيث أن إيران ثاني أكبر منتج للبترول في المنطقة.. فضلاً عن ثروة صناعية وزراعية وبشرية.. وعلمية.

في البداية كان التفكير في أن تنقوم إسرائيل بتوجيه ضربة جوية وقائية للمشروع النووي الإيراني. ولكن خشية رد فعل من الشاطئ الآخر تجاه هذا المخطط الأمريكي الإسرائيلي، جعل هذا المخطط يعود ليصبح مخططاً أمريكياً خالصاً..

** والآن تكاد تكتمل القوة العسكرية الأمريكية في الخليج..

هناك حاملتان للطائرات بمثابة قواعد جوية متكاملة ولكن متحركة وتدعمها عدة مدمرات وسفن مساعدة أخري.. ولا ننسي وجود أمريكا العسكري في المنطقة كلها من مدخل الخليج إلي قمته.. ثم يجب ألا ننسي الوجود العسكري الضخم في العراق.. وربما لهذا السبب قرر الرئيس الأمريكي بوش إرسال قوات أخري.. للعراق.. لتمثل ضغطاً عسكرياً علي إيران الشمالية بينما يدعم الوجود الأمريكي البحري في الخليج القوة الأساسية.. بجانب التواجد العسكري الأمريكي في بحر العرب..

** والخوف كله من أن تلجأ إيران فيما لو تم ضربها إلي إغلاق مضيق هرمز الحيوي لحرمان الغرب والعالم من البترول الشرق أوسطي في السعودية وقطر والإمارات وعمان.. وأيضاً البترول العراقي والإيراني نفسه، وما أسهل أن تغلق إيران هذا المضيق لتحدث للعالم صدمة بترولية رهيبة، وهو ما يجب أن تخشاه أمريكا والعالم كله.. ذلك أن المنطقة يخرج منها حوالي 40% من بترول العالم، فضلاً عن أن اشتعال الحرب سوف يزيد الاستهلاك العالمي، فيندفع العالم الي سياسة تخزين بترول هائلة..

** إن المنطقة كلها أصبحت فوق بركان. وضرب إيران سيؤدي إلي اشتعالها كلها من أفغانستان شرقاً الي مصر غرباً.

وقد يكون ذلك بداية لحرب إقليمية رهيبة، تدفع العالم إلي حرب عالمية.. بسبب المصالح الدولية.