نهاد المشنوق

الكتابة عن laquo;النجف الأشرفraquo; من بيروت توقعك في حرج الموقع. ليس لقداسة المدينة العراقية فقط. بل لأنها تحولت منذ ثلاث سنوات إلى مقر للقرار. بينما صارت بغداد مدينة للإدارة. تلقيت في الأسبوع الماضي عشرين اتصالا، معظمها من أشخاص لا أعرفهم شخصيا. وذلك بهدف واحد ومحدد وهو تصحيح ما ورد في مقالي يوم الاثنين الماضي عن أن السيد مقتدى الصدر الزعيم الشاب لتيار شيعي أهم ما فيه فوضوية الانتساب إليه وامتداده على المناطق الشيعية كافة وخاصة مدينة الصدر في ضاحية بغداد عاصمة العراق وعروبته التي صارت علامة فارقة من علامات زعامة الصدر الشاب وهي كثيرة في تعدّدها وفي غرابتها أيضا. تصحيح ما كتبته عن أن السيد الصدر هو نجل السيد محمد باقر الصدر مؤسس حزب الدعوة والمفكر الإسلامي الذي ذاع صيته في العالمين العربي والإسلامي في سن مبكرة لكثرة مؤلفاته وعمقها الى أن أعدم على يد النظام العراقي السابق عام 1980 وله من العمر خمسة وأربعون عاماً.

النسب الأصح هو أن السيد مقتدى الصدر الشاب هو نجل السيد محمد محمد صادق الصدر الذي قتل في ظروف غامضة مع اثنين من أنجاله عام 1999 في مدينة النجف. وحفيد السيد محمد صادق الصدر ابن عم السيد محمد باقر الصدر. الإضافة الشافعة هنا أن الصدر الشاب متزوج من ابنة السيد محمد باقر الصدر المرجع الشيعي الأبرز منذ منتصف الستينيات حتى اليوم.
لم أكن أتوقع وأنا أغوص في بحر السياسة العراقية أنه كيفما أبحرت عليك أن تعود الى النجف هذه الأيام. وإذا وقعت في laquo;النسب النجفيraquo; تجد نفسك عائدا الى جبل عامل في جنوب لبنان.
عائلة الصدر أصلها لبناني. هاجر جدهم الأكبر السيد إسماعيل من جنوب لبنان الى العراق أيام الفترة العثمانية في لبنان. وبحسب توجه الراغب في العلم من الأولاد والأحفاد قصدوا قم في إيران أو النجف في العراق الى أن عاد منهم الإمام موسى الصدر الى لبنان laquo;رد الله غربتهraquo; وشقيقته السيدة رباب المتزوجة من آل شرف الدين، وهي العائلة المنتسبة الى دوحة الرسول صلى الله عليه وسلم والمرتبطة بالقرابة التاريخية من آل الصدر. السيدة رباب هي المشرفة بلياقتها وكفاءتها وقدرتها على مؤسسات الإمام الصدر في الجنوب.

السلالة الأخرى هي آل الحكيم التي تعود الى السيد محسن الحكيم المرجع الديني الأبرز في أوانه ووالد 11 ولداً، اغتال النظام العراقي السابق سبعة منهم. واغتيل أبرزهم آية الله محمد باقر الحكيم في النجف عام 2003 إثر خروجه من المسجد بعد صلاة يوم الجمعة في ظروف لم تتضح حتى الآن. فتسلم أصغرهم عبد العزيز رئاسة المجلس الأعلى للثورة الإسلامية.
زوجة السيد محسن الحكيم ووالدة هؤلاء الشباب سيدة لبنانية من بنت جبيل وهي شقيقة النائب والوزير السابق المرحوم علي بزي الذي سمعت الكثير من الرعيل الأول للاستقلال عن لياقته وأناقته وظرفه. وبهذا يكون السيد الحكيم زوج خالة السيد فضل الله.
الأكثر بروزا من المدينة وحكايا سلالاتها هو أنك كيفما قرأت بالعربية وباللغات الأخرى تجد أن الخمسين سنة الأخيرة من السياسة الشيعية في العالم العربي انطبعت بخاتم حزب الدعوة اتفاقا أو افتراقا. خلافا أو التزاما. تقديرا أو رفضا.
في كل النصوص السياسية العراقية الداخلية لحزب البعث الذي حكم العراق لعشرات السنوات تجد أن حزب الدعوة هو العدو الأول المستهدف القضاء عليه.
وفي الكثير من نصوص الرئيس السابق للعراق صدام حسين يبرز حزب الدعوة بحدة الصفات التي يطلقها عليه وعلى رجاله الرئيس حسين. ربما كان الحدث الأعنف قبل انتفاضة النجف عام ,1999 هو إعدام السيد محمد باقر الصدر وشقيقته بنت الهدى عام .1980 إذ أن كل المعنيين بالحركة الإسلامية في العالم تصرفوا على أن حدثا كبيرا وخسارة جليلة وقعت على العالمين العربي والإسلامي.

∎∎∎

هناك الكثير من الروايات حول إعدام السيد محمد باقر. إلا أن مصادر مختلفة موثوقة تؤكد أن حواراً أخيراً دار بين الرئيس صدام حسين والسيد محمد باقر، أهم ما ينقل عنه أن السيد الصدر رفض الالتزام بمخالفة الثورة الإيرانية التي كانت قد وصلت حديثا الى الحكم بقيادة آية الله الخميني.
لم يكن موقف الصدر بحسب المصادر نفسها، وبعضها وثيق الصلة بالبعث الحاكم آنذاك في العراق، لم يكن الصدر متمسكاً بالموقف الإيراني ولا بالصلة بزعمائه أو توجهاتهم، لكنه كان يرى في امتداده الإسلامي ضرورة وحقيقة لا يتخلى عنهما من أجل العفو عن حياته.
لذلك تولى الرئيس العراقي السابق شخصياً الإشراف على إعدامه. حتى أن البعض يقول إنه أطلق النار من مسدسه للتأكد من وفاة السيد محمد باقر الصدر.
أما شقيقته بنت الهدى فروايتها مختلفة. إذ ما الذي يجعل من نظام أمني طاغ يهتم لأمر امرأة حتى لو كان نسبها ما هو عليه؟
قبل الإعدام بسنة، جاءت قوات الأمن الى منزل الصدر لاعتقاله فجراً كما هي العادة. فما كان من شقيقته إلا الخروج الى الشارع والسير في الأزقة داعية الناس الى نجدة شقيقها حتى وصلت الى مرقد سيدنا الحسين وجعلت منه منبراً تخاطب منه المؤيدين. ولم تهدأ حتى خرجت المظاهرات في النجف غاضبة ومستنكرة. فانتقلت العدوى الى باقي المدن العراقية. ما أدى الى الإفراج عن الشقيق المرجع.
لم يكن من اعدم السيد الصدر يريد تكرار التجربة مع الشقيقة القادرة على استثارة الناس وتحريك عصبيتها، فكان نصيب السيدة بنت الهدى مرافقة شقيقها الى دنيا الحق.
في فترة الاعتقال الأولى خطر للسيد الصدر وللكثير من مريديه أن عليه مغادرة العراق وقيادة جمهوره من الخارج. إلا أن برقية من الإمام الخميني يرى فيها أنه ليس من الصالح مغادرة مدينة النجف مركز العلوم الإسلامية، على أمل laquo;إزالة قلق سماحتكمraquo;، كما جاء في نص البرقية التي أبقت الصدر في مدينته.
رد الصدر على برقية الخميني بالاستجابة laquo;لعمق المسؤولية في الحفاظ على الكيان العلمي للنجف الأشرفraquo;.
من هو الرجل الذي تخرج المدن العراقية لنصرته في وجه الحاكم، والذي تتأثر المدن العربية بنخبتها لرأيه وكتبه، والذي ترك بعد إعدامه أثراً لا ينسى في السياسة الشيعية العربية خاصة كما في الفكر الإسلامي الحديث عامة؟

∎∎∎

يقول laquo;مولاناraquo; الدكتور رضوان السيد عميد الدراسات الإسلامية في لبنان، إن لم يكن في العالم العربي، في شهادة كتبها عن السيد محمد باقر الصدر وزياراته الى بيروت ما نصه:
laquo;عرفت السيد محمد باقر الصدر في أحدٍ صيفي عام 1968 أو .1969 كنت وقتها طالبا بكلية أصول الدين في جامعة الأزهر بمصر، وأعود في الصيف الى لبنان ما بين شهري حزيران وتشرين الأول، فأعمل مصححاً في عدة دور للنشر ببيروت للتمكن من متابعة الدراسة، ومن أجل التثقف وللتواصل مع محققي كتب التراث والفكر الإسلامي الحديث. وفي laquo;دار الفكرraquo; ببناية المركزية فيما أذكر حيث شاركت في تصحيح كتبه الثلاثة التي كان ينشرها الدار: فلسفتنا واقتصادنا والأسس المنطقية للاستقراء. أما كتاب الاستقراء فما استطعت وقتها تقديره حق قدره لأنه يتطلب معرفة بأصول الفقه وبالمنطقين الصوري والحديث ما كنت أملكها. وأما الكتابان الآخران (فلسفتنا واقتصادنا) فقد أحببتهما كثيرا، كما أحببت كتب الأستاذ محمد المبارك (القيادي البارز في الإخوان المسلمين السوريين في الخمسينيات) التي كانت تنشرها الدار أيضاً.

تقوم أطروحة الإحيائيين الإسلاميين الكبار (من قبل المودودي والسباعي وسيد قطب والصدر ومطهري والقرضاوي) على أن هناك نظاما إسلاميا كاملا أساسه رؤية شاملة للوجود والعالم، تتبدى في الاجتماع والاقتصاد وإدارة الشأن العام، وهي تتفوق على الماركسية وتتصدى وتكافح الرأسمالية. وهذه الرؤية هي التي أعطاها المودودي وقطب اسم laquo;الحاكميةraquo;، بينما آثر الشهيد الصدر تسميتها laquo;فلسفتناraquo;. وما كنت أفرّق وقتها بين الإصلاح والتجديد من جهة، والإحياء من جهة أخرى. فالإصلاحيون يملكون نظرة توفيقية بين الحضارة الحديثة والإسلام. أما الإحيائيون فتتملكهم نزعة ناقضة جذرية وطهورية تجاه الغرب والعالم المعاصر. وبسبب هذا النزوع العام للإسلاميين الثوريين (من أمثال الصدر وقطب) والمعتدلين (من أمثال المبارك والسباعي ومحمد سليم العوا) على حد سواء، أثّر هؤلاء جميعا في أجيال الشبان المتدينين من السنة والشيعة حتى غير الحزبيين منهم في الستينيات والسبعينيات، وكان الصدر من بين من مارسوا هذا التأثير، فقد كنا نقرأ كتابه laquo;فلسفتناraquo; بالأزهر خلال السبعينيات، كما أنني أعرف أن رسالته عن laquo;البنوك اللاربويةraquo; ما كانت قليله الأثر في أوساط المهتمين خلال العقد الواقع بين 1965 و.1975

وأود في هذا الصدد أن أضيف كلمة عن ذكرياتي عنه. كان السيد الصدر في ما أذكر شابا شديد الوداعة، وشديد الاهتمام بوحدة المسلمين، وكان يحرص على أن نذهب معا لحضور صلاة الجمعة في الجامع العمري ببيروت. وقد كان ناقداً على استحياء للمؤسستين الدينيتين السنية والشيعية، ويرى أنهما من الماضي الذي ينبغي تجاوزه. لكنه كان يغيّر الحديث
وينصرف عنه الى غيره عندما اتحداه على طريقتي الصبيانية (كنت في السابعة عشرة او الثامنة عشرة) قائلا: طيب، لا تريد الأزهر، ولا تريد النجف، فماذا تريد؟ الاخوان المسلمين! ولا اذكر من اخبرني مرة (المبارك او توفيق الطيب) ان السيد الصدر زعيم حزب يشبه laquo;الاخوان المسلمينraquo; اسمه laquo;حزب الدعوةraquo;، فسألته ونحن نشرب الشاي في قهوة laquo;القزازraquo;: هل هذا صحيح؟ فقال ضاحكا: لا اظنك ستترك الناصرية، وتنضم الى حزب الدعوة او الاخوان المسلمين!
وقد قيل لي في مطلع التسعينيات من القرن الماضي، حين بدأت بدراسة مصائر الاحيائيتين السنية والشيعية، إن الشهيد الصدر، عاد فتصالح مع المؤسسة الدينية متأثراً بالإمام الخميني، ورأيت بعض رسائله واجتهاداته التي تُشعر بذلك، لكنها تتضمن ايضا رؤى توفيقية بين الحاكمتين: حاكمية الشريعة عند الاسلاميين، وحاكمية ولاية الفقيه اذا صح التعبيرraquo;.

∎∎∎

لم يكن من السهل على السيد محمد باقر التخلي عن ثوريته على المرجعية الدينية التقليدية ودعوته الى التحديث في المدارس والمرجعيات، وهو ما دعا إليه سيد قطب في المؤسسات الدينية السنية. كما يقول مولانا د. سيد عن التسوية التي ابتدعها لنفسه في أواخر السبعينيات.
لكن الارجح وهو ما لم يقله انه وجد امامه نموذجا ناجحا للمرجعية الدينية في الانقلاب على أعتى الانظمة اي النظام الايراني وأشرس الحكام اي شاه ايران السابق. فما كان منه إلا ان تصالح عن بعد مع إمكانية المرجعية الثورية الدينية بالوصول الى النظام الامثل من وجهة نظره على الأقل.
أسس السيد محمد باقر الصدر حزب الدعوة وهو في الثانية والثلاثين من عمره وهو بالصدفة نفس عمر السيد مقتدى هذه الأيام.
يقال في بيروت ان الشيخ محمد مهدي شمس الدين رحمه الله كان قريباً من السيد الصدر في النجف حيث كان يدرس في العام 1957 في فترة تأسيس الحزب. وكذلك السيد محمد حسين فضل المرجع الشيعي العربي الأبرز. وايضا فإن السيد عباس الموسوي الشهيد واحد مؤسسي حزب الله هو من تلامذة السيد الصدر.
من أبرز طلاّبه آية الله كاظم الحائري وهو المرجع الذي يعود إليه السيد مقتدى بناء على وصية السيد محمد باقر قبل إعدامه.
إلا ان السيد الصدر ترك الحزب بعد تأسيسه بسنوات قليلة اذ انه نال الدرجة العلمية التي تسمح له بدور المرجعية فطلب منه السيد محسن الحكيم في حينه الاختيار بين المرجعية والحزبية فاختار المرجعية طبعاً.

ربما يكون حزب الدعوة هو اول تجمع تنظيمي للاسلاميين الشيعة في العراق يتبنى الفكر التغييري ويرفض الفهم الاصلاحي.
من اجل تحقيق عملية التغيير والانقلاب في واقع الامة الاسلامية، تبنى حزب الدعوة الاسلامية مفهوم المرحلية في عملية التغيير، حيث قسمت مراحل الدعوة الى اربع مراحل:
1ـ المرحلة التغييرية.
2ـ مرحلة الصراع السياسي.
3ـ مرحلة اقامة حكم الله في الأرض.
4ـ مرحلة المراقبة والتوجيه.
واصدر حزب الدعوة برنامجا سمي laquo;بيان المفاهيمraquo; عام 1980 يطرح افكاره وتصوراته حول قضايا الحكم وشؤون الدولة في العراق، ثم اصدر laquo;برنامجناraquo; في مارس/ آذار .1992
ومن هذه المبادئ والافكار ان صياغة النظام السياسي واختيار شكل الحكم في العراق من حق الشعب العراقي وحده، ولا يصح فرض اي صيغة جاهزة للحكم على الشعب العراقي خلافا لارادته الحرة.
لا شك ان الكثير من هذه الشعارات تغيّر نحو الواقعية بعد ان تسلم الطبيب ابراهيم الجعفري رئاسة الحزب ثم رئاسة الحكومة الثانية بعد اسقاط النظام في العراق.
اصبح الحزب بواسطة واقعيته جزءاً من الحالة العسكرية العراقية فصار له فرع عسكري وميليشيا تشارك بحسب المصادر الغربية في فرق الموت المذهبية المنتشرة في المدن العراقية وبغطاء رسمي من وزارة الداخلية.
تسلم نوري المالكي المنتسب الى الحزب ايضا رئاسة الحكومة من مسؤوله الحزبي الدكتور جعفري. المالكي عمل لمدة 20 عاما مديراً لمكتب الحزب في دمشق، والجعفري ترك العراق بعد تخرجه من جامعة الموصل طبيبا الى ايران.
كلاهما الجعفري والمالكي ومعهما عبد العزيز الحكيم من المجلس الأعلى للثورة الاسلامية يريدون تنفيذ سياسة الادارة الاميركية الجديدة في العراق.

∎∎∎

ليس للخطة الاميركية الجديدة مضمون سياسي، كل ما فيها أمني باعتبار ان كل من يطلق النار مجرم يستحق العقاب. ولكن ماذا عن المضمون السياسي للحركات المسلحة المعترضة على نظام الحكم الجديد؟
لا جواب. كل الممسكين بمقاعد السلطة في العراق اليوم عائدون من الخارج يأكلهم الثأر مما تعرضوا له وعائلاتهم من تهجير. فكيف لهم ان يفكروا بما يضمن استمرارهم في الحكم غير الاكثرية الظالمة والاقلية المظلومة. هذا عنوان دائم للصراع وللانفجارات التي تحصل في المدن العراقية وليستا عنوانا للحكم. إذ انه كلما ابتعد العقل الحاكم عن التسوية التي ترضي الاكثرية وتحفظ الاقلية، كلما ابتعدت إمكانية الاستقرار في حياة العراقيين.
صحيح ان ايران تريد لهذا الاستقرار ان يكون ورقة في يدها في حال حصوله وإلا فإنها تفضل الاضطرابات. وصحيح ان المجموعات الباقية من الجيش العراقي وحزب البعث ومعها حلفاء من القاعدة وغيرها من التنظيمات الاسلامية. صحيح انها لن تقبل باستقرار لا يضمن لها وجودها الأمني والسياسي. لكن الاصح من الاثنان ان الحكم المعني بالتسوية غير مؤهل لهذا الدور ولا رعاته الاميركيين. فما العمل؟

يتضح من الاجتماع الاخير الذي عقدته وزيرة الخارجية الاميركية ووزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي ووزيرا خارجية مصر والاردن. يتضح من هذا الاجتماع ان العنوان الايراني هو الذي خيّم على أمن جميع الحاضرين. فلم يملك الحاضرون الا الاستماع الى ما عند المسؤولة الاميركية التي ليس عندها حتى التهديد الموثر. السعودية تتصرف، رغم ما قاله العاهل السعودي أمس بحق الدور الايراني، بالتحذير من خطر طهران من جهة والعمل على تسوية سلمية بين طهران والمجتمع الدولي الذي سيقرر في الخامس والعشرين من الشهر المقبل في مجلس الأمن مصير علاقاته مع ايران.
الامير بندر بن سلطان مسؤول الأمن القومي السعودي غادر من طهران في الاسبوع الماضي الى واشنطن في زيارة غير معلنة ثم وصل بالأمس الى موسكو في مهمة لا يمكن ان تكون خارج الرغبة السعودية بالتسوية السلمية المسبقة لجلسة مجلس الأمن الدولي.
لكن حضور الاجتماع الكويتي لا يكفي. والحركة السعودية على نيتها الخيّرة لن تثمر. لا بد من قوة اقليمية موازية للوجود الايراني المقلق للدول العربية. قوة موضوعية. قادرة. متفهمة للأمن العربي. داعمة للتخصيب النووي السلمي.

ليس هناك من قوة في المنطقة مؤهلة للانضمام الى المؤتمرين في الكويت إلا تركيا. ليس لانها عضو في حلف الناتو مما يجعلها قوة عسكرية كبرى. ولا لان علاقاتها باسرائيل طبيعية. بل لانها دولة مجاورة لايران. لها مصالح مباشرة في العراق. ومتفهمة لضرورة التفاوض السلمي للحلول في المنطقة.
في الزيارة الاخيرة التي قام بها رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان الى بيروت ابدى امام مسؤولين لبنانيين استغرابه لغرق ايران الدولة التي تملك آلاف السنين من الحضارة في ازقة الدم العراقية. واظهر اكثر ثقته بوحدة العراق سلماً ام حرباً وقال عن النظام السوري ما لا يجوز تكراره.
الدور التركي الصديق للولايات المتحدة مجاور لسوريا ودوره في العلاقات اللبنانية ـ السورية لا يقل عن دوره في العراق. فلماذا لا تكلف واشنطن حليفا قويا. اقليميا. غير مستورد بمهمة الاعتدال في المنطقة؟

أم انها تفضل هلال الازمات على القمر التركي؟