خالد البسام

غضبت أسرة الفنانة المصرية الشهيرة الراحلة‮ ''‬زينات صدقي‮'' ‬كثيراً‮ ‬من كاتبة قالت‮: ‬إن‮ '' ‬صدقي‮ ''‬المشهورة بخفة دمها استلفت فستاناً‮ ‬لتحضر به حفل تكريمها في‮ ‬أواخر أيام حياتها بالسبعينات ولم‮ ‬يكن في‮ ‬دولاب ملابسها فستان‮ ‬يليق بالحفل‮. ‬واعتبرت الأسرة هذا الكلام إهانة للفنانة الراحلة‮ !‬
شخصياً‮ ‬لا أجد في‮ ‬استلاف فنانة كبيرة ومؤثرة مثل‮ ''‬صدقي‮'' ‬ما‮ ‬يهينها أو‮ ‬يهين عائلتها‮. ‬فالمهين اليوم هو أن عندنا ممثلين جميلين وبهذا الرقي‮ ‬والمستوى الكبير مثلها ولا تجد حتى فستانا مقبولاً‮ ‬تلبسه في‮ ‬تكريمها الذي‮ ‬جاء كما أظن بالخطأ أو مع تكريم مجموعة من الفنانين ووضعت معهم بالمرة‮ !‬
فليست هناك إهانة للعباقرة والمبدعين والكتاب والفنانين‮ - ‬وأنا طبعاً‮ ‬لا أتحدث عن فناني‮ ‬هذه الأيام‮ - ‬أكثر من جعلهم‮ ‬يشعرون أن كل عطائهم ومواهبهم وأعمالهم الجميلة للناس طوال حياتهم تذهب بلا أي‮ ‬تقدير بل حتى ولو نوع من الاحترام‮.‬

الإهانات عندنا مع الأسف توزع على عباقرتنا ومبدعينا بلا حساب بل وبكميات هائلة‮. ‬فإذا لم‮ ‬يجد الفنان بدلة‮ ‬يلبسها فهذه إهانة‮ ''‬بسيطة‮''!‬
‮ ‬فكثيراً‮ ‬ما نسمع عن مبدعين‮ ‬يعيشون حياتهم على الكفاف،‮ ‬وعن‮ ‬مفكرين‮ ‬يبيعون كتب مكتبهم ليستطيعوا أكل لقمة العيش الكريمة وعدم الاضطرار إلى الشحاذة من الناس‮.‬
هناك اليوم مئات إن لم‮ ‬يكن آلاف من المبدعين العرب الذين‮ ‬يعيشون تحت خط الفقر مفضلين هذا الوضع المزري‮ ‬على كتابة قصائد نفاق حقيرة لسلطان جائر أو مقال مدح لوزير سخيف‮. ‬وهناك إهانات لا تعد ولا تحصى لجيوش العباقرة عندنا بمنع كتبهم ومنع ظهور بعضهم في‮ ‬التلفزيونات،‮ ‬واعتقال الآخرون ومنعهم من العمل ومن الكتابة إذا استطاعوا‮.‬

حتى التكريم والاحتفالات التي‮ ‬تطبل وتزمر لها الحكومات أحياناً‮ ‬عن تكريمها للمثقفين والأدباء والفنانين وغيرهم كثيرا ما تتحول إلى نوع آخر من الإهانات التي‮ ‬تزيد من الإهانات التي‮ ‬حصل عليها المبدع من بداية حياته وحتى نهايتها‮. ‬فبعد أكثر من ثلاثين عاماً‮ ‬من الإبداع مثلا‮ ‬يجرى تكريم أحدى الشخصيات بدرع تافهة لا‮ ‬يساوى قيمته أكثر من خمسة دنانير وشهادة بائسة وتسلم إلى ابنه بعد شبع الوالد المسكين موتاً‮ !‬

ولو كانت خفيفة الدم الشهيرة‮ ''‬زينات صدقي‮'' ‬حية حتى الآن فأنا على‮ ‬يقين بأنها لن تعتبر ذلك إهانة،‮ ‬بل سخرية أخرى من القدر الذي‮ ‬يحول أعظم الفنانين إلى أشخاص عاديين‮ ‬يستلفون فستاناً‮ ‬جميلا من‮ ''‬المكوجي‮''!‬