مع الاستشراق وخصومه - 3

سمير عطا الله

انطلق خصوم الاستشراق من قاعدة روديارد كيبسلنغ الشهيرة بأن laquo;الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقياraquo;. وهذا قول شعري رومانسي ترميزي وليس قاعدة علمية، مهما اتسعت صحته. وفي أي حال، كان كيبسلنغ يهدف إلى تضمين هذا القول لأزمتين: الأولى أن الشرق كل متخلف، والثانية أن الغرب كل متقدم، ولذلك يستحيل اللقاء، بين فريق ساع إلى الإدراك وفريق يرفض ذلك رفضا مطلقا.

انتقد عدد من المفكرين العرب منحى إدوارد سعيد في laquo;المستشرقينraquo; وبينهم يساري مثل صادق جلال العظم وأكاديمي مثل عزيز العظمة. وتوجه بعض المستشرقين أنفسهم بـlaquo;نداءraquo; إلى أهل الشرق. وقال الإيطالي غابريللي: laquo;أرجو أن تسمحوا لي يا أصدقائي الشرقيين بهذه الكلمة: لقد انتهى الاستعمار الآن ودفن ولقيَ المصير الذي يستحقه. وهذه النهاية لا تؤثر إطلاقا على المنجزات العلمية لكبار المستشرقين الأوروبيين، فقد كانوا يرون في أعمالهم منجزات مفعمة بحب العلم والبحث عن الحقيقةraquo;. ويعدد غابريللي أسماء أولئك الذين تعرضوا للضرب والإهانة بسبب دعمهم للقضايا العربية، ثم يعدد إنجازاتهم ويقول إنهم laquo;سوف يدهشون في قبورهم إذا ما سمعوا أن الحماسة العلمية التي ألهبت حياتهم كلها قد أنزلت إلى مرتبة الخدمات الخسيسة التي قدمت للاستعمارraquo;.

بل إننا نعثر على دعاة القضية العربية حتى بين أولئك الذين كانوا جزءا من الآلة الاستعمارية نفسها. وكان غيرترود بك laquo;خاتون بغدادraquo; أول من هاجم وعد بلفور وندد به، وقال إن بريطانيا سوف تتحمل وزره إلى الأبد. ولسنا هنا طبعا أمام نماذج فردية، ولكن أمام حالة عامة. وحتى من منطلق عام يظل من السهل تصنيف أكثرية المستشرقين في خانة الموضوعيين والعلميين على الأقل.

ويقول غابريللي ردا على أنور عبد الملك إن الاستشراق laquo;ليس وحده في أزمةraquo;، بل إن النظرة إليه مأزومة أيضا. ويأخذ على العرب تناول المسألة بطريقة عشوائية بعيدة عن النقاش والعلم. ويقول إن هناك علماء مشرقيين اعتمدوا البحث العلمي والمنهجي أمثال طه حسين وإبراهيم مدكور في مصر، وصلاح الدين المنجد في السعودية، والتانجي في المغرب. وجميعهم يقفون على قدم المساواة مع المستشرقين الغربيينraquo;. ويقول المستشرق الإيطالي: laquo;على الرغم من أنني ابن هذا الغرب ومرتبط بحضارته بكل حواسي ومشاعري، إلا أنني كنت دائما أشعر بمدى عظمة هذه الحضارة العربية الإسلامية. ومدى شرفها وكرامتها بصفتها إحدى المكونات الشرقية لتاريخ البشرية (...) إنني عالم بالأمور وأرفض هذا التقييم الظالم لأعمال الأجيال المتتالية من المستشرقينraquo;.

حتى برنارد لويس يقول إن الاستشراق بدأ لأنهم laquo;كانوا يرحلون إلى هناك لكي يدرسوا على يد الحضارة المتفوقة في ذلك الزمن: أي حضارة العالم الإسلامي. وكان هدفهم هو التوصل عبر الترجمات العربية وبفضل الأساتذة العرب إلى مصادر الفلسفة والعلم الإغريقي. وكان دين الفكر والعلم الأوروبي عظيما حيال الوسطاء العربraquo;.