انتوني بوبالو - الفايننشال تايمز

في أحد المقار العسكرية البريطانية في قندهار، ثمة جدارية أنيقة للريف الأفغاني، وقد كتبت العبارة التالية أسفلها: quot;من الأفضل أن تجعلهم ينجزون الأمر بأنفسهم، ولو بغير كمال. إنها بلادهم، وطريقتهم، ووقتنا هنا قصيرquot;.

لو كان حياً، فإن صاحب العبارة، تي. إتش. لورنس (العرب) ربما يغص، وينزعج من نشر مثل هذه الثقافة quot;اللورنسيةquot; بين الرجال المقاتلين وقادتهم في أفغانستان والعراق. وكيما نوجز ما قاله مؤلف آخر غالبا ما يقتبس، فإن الوقت قد حان لدفن لورنس، وليس لإطرائه.

بما ينطوي على نذير للولايات المتحدة، وجدت العبارة نفسها أيضا في موقع آخر هزيمة كبيرة لحقت بأميركا على يد المتمردين، إذ يذكر جيمس فتنون وجون بيلغر في تقريرين منفصلين عن سقوط سايغون عام 1975، أنهما كلاهما شاهداها مكتوبة ومؤطرة على جدار السفارة الاميركية المهجورة. ويتساءل المرء كم مضى على وجودها هناك من دون أن ينطوي ذلك الوجود على أي فائدة.

اليوم تجري إعادة نشر quot;اللورنسياتquot; على أيدي الجميع، بدءاً من قائد القوات الاميركية في العراق الجنرال ديفيد بترايوس وحتى ضباط الميدان، وquot;المتابعاتquot; المنشورة على المواقع الالكترونية المعادية للتمرد.

وطبقا لـ quot;جيريمي ولسونquot;، واضع سيرة حياة لورنس، فان العبارة ربما كانت جزءاً معدّلاً من المادة 15 من مواده quot;الـ 27quot; التي نشرت في quot;النشرة العربيةquot; بتاريخ 20 آب-أغسطس 1917، والتي قصد منها أن تكون دليلا للضباط البريطانيين الذين كانوا يحاربون في صفوف رجال القبائل العربية. وتقول العبارة الأصلية: quot;لا تحاول أن تفعل الكثير بيديك أنت، إذ من الأفضل أن يفعلها العرب بغير كمال على أن تفعلها أنت بكمال. إنها حربهم هم، وأنت موجود حتى تساعدهم، لا أن تربحها لهمquot;.

واليوم، يبدو الاستخدام الليبرالي لأقوال لورانس المأثورة، بما في ذلك تلك التي ربما لم ينطقها هكذا بالضبط- يبدو وهو يجعلك تتساءل: كم من الناس الذين يقتبسونه قرؤوا أعماله أو استوعبوا السياق التاريخي لأفكاره. ذلك أن لورانس لعب في الحرب العالمية الأولى دور متمردي اليوم، بينما في العراق وأفغانستان، فإن الولايات المتحدة وحلفاءها هم الذين يلعبون اليوم دور الإمبراطورية العثمانية أيام الحرب العالمية.

لقد أشار الجنرال بترايوس إلى أهمية نصيحة لورانس quot;لا تحاول أن تفعل الكثير بيديك أنتquot; بالنسبة لأولئك الذين يقاتلون في العراق. لكن لورانس كان يتحدث عن امتلاك العرب لحرب عصابات, والتي اختاروا هم بأنفسهم خوضها ضد الأتراك. أما في العراق، وبغض النظر عن المدى الذي أصبحت فيه quot;حربهمquot;، فإنها تظل حرباً بادر التحالف إلى خوضها. وقد عنى خوضها quot;على طريقتهمquot; في الكثير من الحالات رجال الميلشيات، وفي بعض الحالات فرق الموت.

كما أنها ليست مسألة إخفاق العراقيين في تحمل مسؤولية حل مشكلاتهم الخاصة، كما يقول الكثير من المسؤولين الأميركيين بتذمر. إن المشكلة الرئيسية ndash;أي تدمير الدولة المركزية العراقية- نجمت بشكل رئيس عن العمليات التي نفذتها قوات التحالف، والتي أفضت إلى تفاقم النزاعات الأهلية والسياسية، والى أن يتم حل هذه المشكلات، فان المسؤولية الرئيسية لتوفير شكل من الأمن، تقع، لأسباب أخلاقية وقانونية وعملية، على عاتق الولايات المتحدة وحلفائها.

على نحو مشابه، كتب احد مستشاري الجنرال بترايوس السابقين، وهو ديفيد كيلكولين، معبراً عن تحمسه لثورة رجال القبائل السنة على القاعدة مؤخرا، ليقول: quot;يبدو أن بناء تحالفات محلية وتكوين شراكات وشبكات موثوقة مع الجماعات التي تشعر بالخطر يشكل احد مفاتيح النجاح، وربما يكون هذا هو ما دار في خلد quot;تي إي لورانسquot; عندما كتب أن فن حرب العصابات مع القبائل العربية استند إلى بناء سلم من القبائل للصعود نحو تحقيق الهدفquot;.

يقر السيد كيلكولين بان التحول إلى توظيف استراتيجية تركز على قبائل العراق إنما يسير بشكل مخالف لبناء المؤسسات القومية، لكنه يظل يتمسك بقشة لورانس على أي حال. ولعل من الصعب الشكوى من أن القبائل السنة تهدر طاقة مميتة على القاعدة بدلا من قوات التحالف، ومع ذلك، يبقى هناك خطر كامن في مثل هذا الحماس الرومانسي.

إن من غير المحتمل على الإطلاق أن تتسامى القبائل أو الميليشيات على المصالح الضيقة. ولعل تشكيل تحالفات معها إنما هو سلم لا يقود quot;إلى الهدفquot;، وإنما إلى فشل الدولة. وفي أفضل الحالات، ستكون النتيجة شبه واحات مستقرة في صحراء عدم الاستقرار القومي. أما في أسوئها، فإنها ستفضي إلى إدامة عراق ممزق وممزِّق.

يرى قادة ومفكرو الائتلاف الثورة القبائلية على أنها بمثابة بشير خير، وعلى نحو يبرز المدى الذي انزلقت إليه الطموحات الاميركية لتتحول من إعادة تعمير العراق إلى الهرب منه، لكن على العراقيين والمنطقة على حد سواء أن يعيشا مع التبعات التقسيمية النافية للاستقرار، والناجمة عن هذا التوجه، والى وقت طويل بعد مغادرة القوات الاميركية.

إن هذا لا يعني القول بأن كلمات لورنس قبل نحو 85 عاما لا تساعد اليوم بكليّتها، فقد تضمنت مواده الـ 27 بعض النصائح الجديدة. لقد طرح، على سبيل المثال، فكرة أن quot;البداية السيئة يصعب التكفير عنهاquot;، كما قدم ما يمكن أن يكون أفضل توصية على الإطلاق فيما يخص مكافحة التمرد المعاصر: quot;تمسك بقوة بروح الدعابة لديكquot;.

لكن المواد السبع والعشرين تتضمن أيضا نصيحة تجاهلها فيما يبدو بعض أتباع لورانس المعاصرين، إذ كتب لورنس في مقدمته عن المواد انه لم يقصد منها أبدا أن quot;تطبق من دون تغيير في أي وضع بعينهquot;. ولا شك في أننا نسيء إليه وإلى أنفسنا نحن أيضاً عندما نستخدم كلماته بلا تفكير وننزعها من زمانها، فقط لأنها تبدو، على السطح، وهي تناسب حاجاتنا الخاصة.