رندة تقي الدين

بلغت الحملة المعارضة لزيارة الرئيس الليبي العقيد القذافي الى فرنسا ذروتها عندما صرحت وزيرة حقوق الانسان الفرنسية راما ياد المقربة من الرئيس الفرنسي بأن laquo;على العقيد أن يفهم أن بلدنا ليس ممسحة، يمسح قائد ارهابي أو غير إرهابي قدميه عليها بدم أعمالهraquo;. وأضافت ياد أن على فرنسا ان تستقبل مثل هذه laquo;القبلة للموتraquo;.

وأثارت زيارة القذافي حملة لا مثيل لها داخل فرنسا، وحتى داخل الحكومة الفرنسية، فعندما سئل وزير الخارجية برنار كوشنير عن سبب غيابه عن العشاء الذي أقيم في قصر الإليزيه على شرف الرئيس الليبي، أجاب ان هذا الغياب مرده لارتباط له في بروكسيل. لكن كوشنير استطرد قائلاً انها laquo;صدفة سعيدةraquo; وانه كان له صديق حميم هو الإمام موسى الصدر اختفى في ليبيا.

وان يأتي القذافي الى فرنسا بعد 34 عاماً من العزلة والغياب ليس بالأمر الغريب، بل من الطبيعي ان يعمل الرئيس الفرنسي على تعزيز وضع الشركات الفرنسية ووضع ميزان فرنسا التجاري. وقد تم خلال الزيارة ابرام صفقات مهمة لفرنسا ولسوق العمل فيها وهذا ما يسعى اليه ساركوزي منذ بداية عهده. وقيمة الصفقات التي أبرمت لا تقل عن 10 بلايين دولار.

وزيارة القذافي ليست الأولى التي يقوم بها الى فرنسا رئيس يتنكر للديموقراطية وحقوق الانسان ولن تكون الاخيرة. فكثيرون قبله زاروا فرنسا واستقبلوا على أراضيها وكثيرون بعده سيزورونها ويلتقون مسؤوليها، فمصالح الدول هي الأقوى. وفرنسا استقبلت القذافي بهذه الحفاوة لأسباب اقتصادية. وكان العشاء الذي أقيم في القصر الرئاسي دليلاً على ذلك، إذ ان الرئيس الفرنسي دعا اليه كبار المسؤولين عن الشركات الفرنسية. وكل هذا مفيد وفقاً لما قاله كوشنير، على رغم تحفظه على المشاركة في الاستقبال.

ولكن السؤال هو عما إذا كان من المفيد ان تستجيب فرنسا لمطالب القذافي الغريبة المتعلقة بإقامته في قصر الضيافة العريق وهو قصر laquo;مارينييraquo;. فقد تحولت حديقة هذا القصر التاريخي القريب من قصر الاليزيه وراء جادة الشانزليه المعروفة الى ميدان نصب فيه الرئيس القذافي خيمته.

فلماذا تدخل دولة مثل فرنسا في مسرحية كهذه، خصوصاً انها لا تخدم لا الشعب الليبي ولا المصالح الاقتصادية الفرنسية ولا مكافحة العنصرية تجاه العرب التي يدينها ساركوزي باستمرار؟ اما اذا قيل ان التقليد الليبي يقضي بأن يستقبل القذافي ضيوفه في خيمته، فليكن، ولكن في بلده! فهل يقضي التقليد الليبي، الذي يدعي الرئيس الليبي انه لا يمكن تجاوزه، وصوله الى قصر الإليزيه في سيارة مرسيدس بيضاء لامعة مثلما فعل، وكأنه مطربة أو نجمة اغراء على غرار مادونا. فأي تقليد هو هذا؟

لقد قال ساركوزي ان من المهم التحدث مع قائد تخلى عن الارهاب وعن تطوير اسلحة الدمار الشامل وأنه حض القذافي على التغيير والتحول الى نهج أكثر تقبلاً لدى الغرب. صحيح ان هذا مهم ولا أحد يناقض ذلك، إلا أن التحدث من أجل تحسين وتطوير الأمور لا ينبغي أن يصبح مساومة على مطالب مضحكة مثل نصب خيمة في باحة قصر تاريخي فرنسي.

وقد يكون الأمر غير مهم للجانب الفرنسي لأنه شكلي ولا يحمل أي معنى، لكنه يمثل مساومة مع laquo;القائدraquo; وميله الاستعراضي، من دون ان يخدم الشعب الليبي ولا الشعوب العربية.

فالخيمة الليبية امام قصر مارينيي قد تعزز شعور العنصريين في فرنسا، في حين أن ساركوزي ينبذ ويدين العنصرية ضد العرب. ونصب الخيمة ربما أضحك البعض، لكنه أحزن من يحترم الشعب الليبي والشعوب العربية.

فالخيمة تقليد عربي من دون شك، لكن نصبها في مارينيي، هو من ضمن خروج القذافي عن السلوك العادي للفت الأنظار. ولهذا الهدف ايضاً قام القذافي بنشر laquo;ثقافته الخضراءraquo; التي وزعت على الصحافة الفرنسية في نشرة صيغت بالفرنسية وتناولت laquo;الانجازاتraquo; التي حققها في بلاده. وتصور النشرة ليبيا على أنها جنة ليس فيها بطالة، ولديها laquo;قائدraquo; يهتم بأمور شعبه مباشرة، وقد أمن له التعليم والطب المجانيين.

أما من يزور ليبيا ويطلع على واقعها فيعرف أن الحال ليست كذلك وأن ليبيا بلد جميل وبإمكانه أن يكون لؤلؤة المتوسط لو كانت ادارة شؤونه أفضل وأقل فوضوية وسوءاً.