خالد القشطيني

صفوف الانتظار، او كما يسمى في مصر بالطابور، من المشاهد الكريهة والمحن المزعجة، ولكن لها فكاهاتها المؤنسة ايضا. وطالما كانت من اكثر مظاهر الحياة شيوعا في العهد السوفييتي فقد ابدع الروس في صياغة الكثير من نكاتها. ما الذي يمكن ان يثير الانسان للتفكه والسخرية اكثر من الوقوف جامدا لعدة ساعات ليحصل على نصف دزينة من البيض ولا ينطق بكلمة احتجاج واحدة يعبر بها عن استيائه وقرفه من الانتظار؟ وكجزء من الحياة اليومية هناك، اصبح الصف مسرحا وميدانا خصبا للعلاقات الاجتماعية والمداعبات الفكاهية الساخرة. كثيرا ما يلتقي الانسان في الصف برجل وزوجته ويسألهما عن حياتهما وكيف التقيا وتزوجا فيقولان له انهما التقيا هنا في هذا الصف. وتضيف الزوجة فتقول، وجدت فلادمير مرحا خفيف الدم اضحكني كثيرا بنكاته فتزوجته.

وتذهب الى احد الواقفين في الصف وتسأله ان يروي لك شيئا من نكات الصف، فيقول لك، اوه! اذهب الى اول الصف لتحصل على احسن النكات. هنا في آخر الصف لم ينفد صبرنا بعد!

وبالفعل نفد صبر احد المصطفين فانفجر وصرخ قائلا: laquo;لن استطيع الصبر اكثر مما فعلت. سأذهب واقتل هذا الكلب غورباتشوف المسؤول عن كل هذا الحالraquo;. ثم ينطلق نحو الكرملن في غضب. ولكنه عاد بعد قليل وانضم ثانية الى الصف حيث كان. فسألوه، لماذا عدت؟ هل قتلت غورباتشوف؟ فأجاب قائلا، laquo;إه! كلا. هناك صف اطول من هذا الصف. كلهم واقفون ينتظرون دورهم ليقتلوا غورباتشوف!raquo;.

نفد ايضا صبر عاملين من عمال المناجم، فقررا الاستجابة لإعلان عن وجود شواغر في سايبيريا حيث كل شيء متوفر بسهولة هناك. اتفقا ان يذهب احدهما اولا ويكتب عن حقيقة الوضع للثاني. كانا بالطبع يخافان من الرقيب اذا قرأ الرسالة، فقال الأول لصاحبه، اذا كتبت لك بحبر ازرق فمعناه ان كل شيء متوفر والحياة هانئة ولا توجد صفوف انتظار من اجل أي شيء. وإذا كتبت لك بحبر احمر فمعناه ان الأحوال سيئة لا تحتمل. ذهب الرجل وبعد اسبوعين تسلم الثاني رسالة زميله مكتوبة بالحبر الازرق وهي تثني على الاوضاع، اللحم متوفر والخبز جيد والبطاطس ببلاش وكل شيء في خير وكثرة.

وفي اسفل الصفحة قرأ الرجل هذه الملاحظة السريعة: laquo;آسف. لم استطع ان احصل على حبر احمر في السوق!raquo;.

لسوء حظ مواطن آخر كان في الصف وخرج منه ريح . فخجل وخرج من الصف. ولكنه لاحظ ان الآخرين اخذوا يتتبعونه اينما ذهب. ضاق ذرعا بهم فخاطبهم قائلا laquo;ايها الرفاق لماذا تتبعونني حيثما ذهبت؟ - هي ريح خرجت وسامحوني عنهاraquo;. قالوا له laquo;لا تخجل. نحن معك. ولكننا نتتبعك لنعرف من اين حصلت على الفاصوليا!raquo;.