المطران جورج خضر

quot;سبق (داود) فرأى وتكلم عن قيامة المسيح انه لم تترك نفسه في الهاوية ولا رأى جسده فساداً فيسوع هذا أقامه الله ونحن شهود لذلكquot; (أعمال الرسل 2: 31 و32).

ليس عندنا في الإنجيل وصف لخروج السيد من القبر أو لما قد يسمى انتعاشه. الايقونة القانونية للقيامة هي نزول المسيح الى الجحيم، لمملكة الموت مرتدياً حلة من نور ويقيم بيديه الانسانية كلها ممثلة بآدم وحواء. هذا هو انتصاره على الموت. وعندنا في الأناجيل الأربعة وعند بولس تأكيد لظهورات السيد وتأكيد ان هذا الذي تراءى أمامهم هو هو الذي عُلق على الخشبة. من هذه الترائيات انه quot;اظهر نفسه للتلاميذ على بحر طبريةquot; لما كان تلاميذه ذاهبين الى الصيد وما عرفوه في البدء. ثم يقول التلميذ الذي كان يحبه لبطرس هو الرب. المحبوبية تفهم.
واذا اكتفينا بشهادة يوحنا يذكر لنا ان مريم المجدلية جاءت الى القبر باكراً والظلام باق quot;فنظرت حجراً مرفوعاً من القبر وأخبرت بذلك بطرس والتلميذ الذي كان يحبه وقالت لهما أخذوا السيد من القبر ولسنا نعلم أين وضعوهquot;. هذا ما نسميه برهان القبر الفارغ. ثم كان لقاء المعلم مع مريم المجدلية في البستان وقد ظنت انه البستاني ثم سماها باسمها quot;فالتفتت تلك وقالت له ربوني (بالآرامية) الذي تفسيره يا معلمquot;.
كان يهم الإنجيليين ان يقدموا شهادات ليقنعوا قراءهم. غير ان أبلغ شهادة عندي في كل الكتب ترائي المخلص لتوما الذي شك بعد الترائي الاول للتلاميذ ولم يكن فيه. فشك بما قال له التلاميذ. في المرة الثانية جاء يسوع والابواب مغلقة فقال لتوما: quot;هات اصبعك الى هنا وأبصر يدي وهات يدك وضعها في جنبي ولا تكن غير مؤمن بل مؤمناquot; أجاب توما وقال له: quot;ربي وإلهيquot;.
توما أبصر جراح اليدين وجرح الجنب. ربما كان هذا الرسول يعتقد ان زملاءه رأوا شبحا لأنهم كانوا يهلوسون. هنا أراد يوحنا الإنجيلي في سرده الحادثة الثانية ان يقول إن هذا الذي عاينه توما هو اياه الذي علق على الخشبة وان آثار الصلب ما زالت في جسده. من هنا نستطيع ان نقول إننا أمام حادثة قيامة.
نحن لسنا إذاً فقط مع فكرة القيامة ولكننا مع انتقال يسوع الناصري من قبر كان في شكل مغارة مغلقة بإحكام وانه هو نفسه صار خارج المغارة. وعلى هذا بنى بولس كل إيمانه بالمسيح.

bull; bull; bull;

موته كان الحدث الأول في كل هذه المسيرة. وهذا كان أمراً قرره أحبار اليهود وحكم به الوالي الروماني وشهده شهود كثيرون. والقيام دلتنا على ان هذا الذي رؤي كان اياه ذاك الذي رفعوه على الخشبة ثم رفعه الله اليه.
السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف كان جسد هذا الرجل عند القيامة. عندنا دليل واحد انه دخل على التلاميذ والأبواب مغلقة. لا نقول نحن ان جسده اخترق الحواجز. نقول انه حضر ونبقى في السر الكامل. مجموعة الاوصاف تدل على انه تخلى عن كمدة الجسد، هذا ما يسميه العلماء l'opaciteacute; de la matieacute;re ولكن كما رأينا في ما ذكرنا من ترائيات هناك تواصل بين المسيح المصلوب واياه قائماً أو هناك تماه مع إضافة النورانية الى هذا الكائن الذي بدا لأحبائه غير مرة.
غير اننا نستطيع مداورة ان نعرف شيئاً عن مظهر يسوع في الوصف التي تقدمه الرسالة الاولى الى أهل كورنثوس عن البشر الذين سيقومون في اليوم الأخير في الاصحاح الخامس عشر. الانسان سيكون في عدم فساد (الفارق ان السيد لم يعرف الفساد قبل الموت وفي الموت). ثم يتابع بولس عن جسد البشر: quot;يزرع في هوان ويقام في مجد (يسوع عرف الهوان طوعاً). يزرع في ضعف (عرف السيد الضعف الجسدي طوعاً) ويقام في قوة يزرع جسماً حيوانياً (بالمعنى البيولوجي وكان يسوع على هذا) ويقام جسماً روحانياً.
صار جسد يسوع بالقيامة جسداً ممجداً أي قائماً بصورة محسوسة في المجد الإلهي وكان في المجد الإلهي بصورة غير محسوسة قبل ان يتجلى على جبل ثابور. القيامة لم تعطه مجداً. كشفته فقط وهو قائم فيه الى الأبد في ناسوته الجالس عن يمين الآب.

bull; bull; bull;

اثر هذه الحقيقة فينا أننا نحن المؤمنين به أمسينا قياميين أي قادرين على التغلب على الفساد والخطيئة والموت في اليوم الأخير. ايماننا أن قيامة جميع البشر ثمرة هذه القيامة التي تحققت في المسيح يسوع. نحن عندنا الطاقة الفصحية بالتوبة وغفران الخطايا واهلنا الرب على اقتبال النعمة التي في كنيستي قوة نور أزلي، غير مخلوق وينزله الله علينا في هذا الزمان أي عندنا المألوهية في الطاقة وتصير تأليها أي نصبح مشاركين الله في هذه القوى من غير ان نكون مشاركين في الجوهر الإلهي. هذه المشاركة ليست شركا لأننا لا نعبر من وضع المخلوق الى وضع الخالق. ليس من اختلاط في المألوهية بين الطبيعة الإنسانية والطبيعة الإلهية. ولكن هناك انسكاب النور علينا ومعمودية نور دائمة اذا نحن بقينا على التوبة.
على هذه الأسس نفهم ان الكنيسة تعيد للقيامة كل يوم أحد وذلك قبل تأسيس الفصح لأننا من هناك نجيء وبقوتها نرى المجد الإلهي ونحن على هذه الأرض. من الفصح تجيء ذبيحة القرابين في الآحاد والأعياد ونأخذ بالقربان قوة المسيح القائم من بين الأموات ونصير إلى القوة التي تتفجر في آخر الأزمنة.
إلى هذا كل شجاعة الشهداء الذين يموتون شهادة للمسيح آتية باعترافهم بالمسيح الظافر بالموت. يصارعون امبراطورية روما وهم عزل ويصارعون كذلك كل الدول التي تشبهت بروما وقست عليهم على رغم وداعتهم الساطعة. كل جرمهم انهم كانوا يرفضون تأليه السلطان العاتي وما كانوا رافضين الطاعة. تحاسبهم الدولة على ما في قلوبهم المؤمنة بوحدانية السلطة الإلهية. تروضوا على الوحوش وكانوا يتجاوزون أجسادهم النازفة والمفترسة بفرح ولا خوف.
قصة الشهيد مرداريوس في هذا الصدد تدل على ما كان يجول في نفوس هؤلاء. هذا كان نبيلا رومانياً يتمشى في قصره فسمع من الشارع ما اعتبره اغاني. أطل من شرفته فرأى قافلة تنشد. سأل خدمه: من هم هؤلاء ولماذا يرتلون. اجابوه هؤلاء يسمون مسيحيين وهذه رسالة جاءت من المشرق، انهم ذاهبون الى الإعدام ويرتلون لأنهم يعتقدون أنهم اذا اعدموا يتحدون بمعلمهم الذي يدعى المسيح. قال رسالة كهذه عظيمة. نزل الرجل من قصره وانضم اليهم ليذهب الى الموت.
الانخطاف الرئيس عند المسيحيين ليس الى القيامة الأخيرة. انه انخطاف الى المسيح الذي استقبلته مرتا أخت لعازر الميت وقالت له: لو كنت ههنا لم يمت أخي. اجابها سيقوم أخوك. قالت له مرتا أنا أعلم انه سيقوم في القيامة في اليوم الأخير. قال لها يسوع أنا القيامة والحياة. المعنى الظاهر ان عندك قيامة حقيقية فعالة هي قبل القيامة الأخيرة وهي أنا وفسر كلامه بعد هذا بقوله: quot;كل من كان حيا وآمن به فلن يموت الى الأبدquot;. قد يعبر بموت الخطيئة ولكنه ينهض منها اذا رآني على الصليب وخارجاً من القبر أي اذا شاهدني حاضراً فيه.
المسيحيون المحدقون بالمخلص الآن قائمون معه في هذه الرؤية. حقيقة انبعاثهم هي اليوم ولهم ان يتطهروا الآن بلفتة منهم اليه فيصيرون خلائق جديدة مخلوقة بنوره. هذه العلاقة الحميمية به تجعل كل نفس من نفوسهم عروسة له اذ تعرف ان ليس لها حياة في ذاتها ولكنها تحيا به.
وتتمكن من ذلك اذا عاشت الفصح وهو كلمة تعني العبور مما كان ينهيها عنه، اذا عبرت اليه وتأملت وجهه وحده وعرفته انه كل موجود. في هذا السياق ألف القديس سيرافيم الروسي تحية فكان يقول لمن التقاه: يا فرحي، المسيح قام. أي انه عندك في صميم قلبك وهو محييك وليس عليك ان تنتظر شيئا آخر اذ لا يزاد على الفصح شيء.