منتصر الزيات


تبقي الصحافة هي الرئة التي يتنفس من خلالها المجتمع، والضمانة التي تسلط الضوء علي عوراته ومكامن الضعف فيه بعيدا عن كل محاولات التغييب أو طمس معالم الانحراف التي تتورط بها دوائر قريبة من السلطة، فضلا عن تكبدها مشاق كثيرة في طريق دعم الحريات والحقوق العامة كادت أن تعصف بحقوقها هي، وكانت كلفة مقاومتها انحرافات السلطة هي محاولة الاخيرة الانتقاص من حقوق الصحافة وتقديم تعديلات متوالية إلي مجلس الشعب علي قانون الصحافة تنال منها ومن دورها، لذلك لم يكن نعتها أيام السادات بالسلطة الرابعة فيه تزيد أو ممالأة بقدر ما كان تعبيرا حقيقيا عن طبيعة دورها وأهميتها.

لا شك أن هناك صفوة من رجالات الصحافة والإعلام عامة باعتبار أن الفضائيات التي غمرت أفق الحياة العامة في السنوات الأخيرة تحت ظلال العولمة وثورة التقنيات الحديثة قد أضافت إلي مضامين رسالة الاعلام أبعادا ورحابا أوسع يحققون أهداف تلك المهمة بشياكة دون أن تنال تلك الشياكة من المهنية اللازمة، ودون أن تنال من قوة وجرأة ما يتناولونه في مقالاتهم أو برامجهم المتلفزة. حقق هؤلاء الصفوة حضورا مؤثرا في الشارع السياسي، فقد نالوا ثقة الجماهير وحققوا احترام السلاطين حتي وإن نكّلوا بهم أحيانا. هناك مدارس صحفية خرجت أجيالا متنوعة في مذاقها وطريقة تناولها الحدث، فلا يمكن لأحد أن ينسي مدارس التابعي ومصطفي وعلي أمين وهيكل واحسان عبد القدوس في عالم الصحافة وهذا علي سبيل المثال لا الحصر طبعا، وتعد quot; المصري اليوم quot; من أهم المؤسسات الصحفية التي حققت نجاحات في نيل ثقة القارئ وتميزها في تقديم الخبر والمعلومة بعيدا عن حسابات المواءمة مع أو ضد السلطة وفي هدوء سمح لها بالتمدد رأسيا وأفقيا. وتأتي الجزيرة علي رأس الفضائيات التي أحدثت حراكا واسعا في العقلية العربية وحققت القدرة علي جذب انتباه المواطن العربي في متابعة الخبر، وقدمت له نخبا متنوعة تقول الذي لم يألف علي سماعه في وسائل الاعلام الرسمية، كما كان عماد الدين أديب علامة مهمة في إدارة الحوارات المتلفزة وقت لم تكن هناك فضائيات عربية تعني بالخبر والحوارات السياسية سوي الاوربت المشفرة التي قدمت نموذجا في برنامجه حتي قبيل تقاعده عن تقديمه لتلميذه جمال عنايت، وبقي شقيقه عمرو أديب بطريقته الخاصة يحدث جدلا كل ليلة في برنامجه الأثير quot; القاهرة اليوم quot;

لكن لا شك أن هناك نماذج داخل صاحبة الجلالة من نوعية محفوظ عجب الشهيرة، ومثلما لدينا قانونيون ترزية لكل القوانين سيئة السمعة للسلطة، هناك أيضا نماذج كريهة داخل بلاط صاحبة الجلالة سواء التي تسوّق للسلطة وتبرر لها كل تجاوزاتها وهؤلاء لا خوف حقيقياً منهم، أو الذين قد يحسبون علي الصحف المستقلة أو المعارضة، وهناك quot; عناكب quot; يمكن رسم صورة كاريكاتورية لهم بريشة فنان عبقري، يتسولون الاخبار ويترددون بين مختلف مكاتب الصحف والمجلات والمحطات الفضائية يسّوقون ما لديهم من أخبارومعلومات يصححونها من صحيفة وأخري علي أقرب مقهي في الطريق أو يقفزون عليها إذا خرجت من غيرهم ، وفرق كبير بين القفز والمتابعة الخبرية.

توجد ملفات ذات أهمية خاصة يحتاج التعاطي الاعلامي معها إلي دقة بالغة، إذ تبدو المصلحة العامة فيها من الأهمية بمكان تفوق مجرد الفوز بالسبق الاعلامي فيه، وأذكر أنني قابلت نماذج كثيرة من تلك المدارس المختلفة، وأثناء متابعة مبادرة الجماعة الاسلامية وقف العنف في يوليو 97 لعبت صحيفة الحياة اللندنية دورا مؤثرا في مهمة الترويج لهذه المبادرة علي قدر كبير من المسئولية، وحققت مع الصديق محمد صلاح دويتو ساهم بشكل كبير في صناعة الحدث وعبر معالجة متزنة من الصحيفة ذاتها والصحفي نقلنا كل ما يتعلق بالمبادرة إلي آفاق الدنيا التي تساءلت عن حقيقتها وملابسات صدورها، كانت هناك عناصر مؤثرة في الجماعة الاسلامية مازالت بالخارج، وجاء توخي الدقة في نقل المعلومات والرسائل الخاصة بتلك المبادرة مما أسهم في نجاحها، صحيح أن هناك من قفز علي المبادرة بعد ذلك وكانت سببا في غنيمته غنما كبيرا، لكن بقي quot; محمد صلاح quot; وبقيت الحياة محل احترام القراء وصناع الحدث، تلك نصيحة إلي كل الذين يقفزون علي الخبر في مراجعات الجهاد الحالية اعلموا أن المصلحة العامة ينبغي أن تكون أهم من السبق بل ومن أول أهداف العمل الصحفي، ولا ينبغي النظر إلي الموضوع من زاوية السبق الصحفي وإظهار القدرة علي التواجد فيه أو إدعاء العلم ببواطن الأمور، هناك أصدقاء في بلاط صاحبة الجلالة قدر لهم أن يلموا بمعلومات مهمة في هذا الخصوص لكنهم تكتموا عليها تغليبا للمصلحة العامة علي المصلحة الشخصية الضيقة.

في بلاط صاحبة الجلالة كما قلنا quot; عناكب quot; يضربون الأخبار وينسجون من خيالاتهم سيناريوهات مفترضة يقدمونها علي أنها حقيقة !! وفي بلاط صاحبة الجلالة صحافة صفراء تسوق بضاعتها علي حساب الأخلاق والقيم والمروءة، فتدغدغ مشاعر العامة والشباب منهم بصور فاضحة وصياغات جنسية، وطغي علينا منها وبغي حثالة لا نعرف لهم أصلا ولا فصلا يتهجمون علي أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم !! يسبون هذا ويشتمون ذاك !! وإذا ما قدروا علي سب أفضل الناس بعد رسول الله فلا غرو أن يسبوا من المعاصرين وينشروا الاراجيف والاكاذيب، ولطالما نالني رذاذ من أشباه الصحافيين داخل دور صفراء وأكاد أهم بمقاضاتهم حتي أكتشف أنهم أقل وأحقر من أعطيهم هذا الشرف. طوال ثلاثين عاما مضت التقيت أجيالا مختلفة داخل المؤسسات الصحفية المختلفة، كنت خلالها في أحيان كثيرة المصدر الوحيد للمعلومات من داخل جماعات مغلقة، حملت رأسي علي كفي بين مطرقة الحكومة وسندان إخواني في الجماعات الاسلامية، طالني رذاذ كثيف، ولم ينقطع الجدل حولي، لم اشعر بالانصاف لما أديت اللهم إلا الناس الطيبين الذين التقيهم في الشوارع والطرقات في كل بلد عربي أذهب إليه، حتي قرأت الاسبوع الماضي ما كتبه صديقي اللدود سليم عزوز ما عبر به تعبيرا دقيقا عن حقبة صعبة مرت عليّ وعلي مصر كلها ما حمل إنصافا ربما كنت أنتظره من إخواني ورفاق دربي، لكن الشهادة عندما تاتي من رجل حكيم ومحايد في حجم سليم عزوز فإنها تريح النفس، خاصة أنه لمس بريشته صفحة محرجة في علاقتي بمشروع حزب الشريعة وصديقي الأسير البرئ ممدوح اسماعيل.. سليم عزوز شكرا.

نادي قضاة مصر : قدركم أن تكونوا في طليعة كتائب الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان.