بي بي سي

وسط اتهامات للشرطة المصرية بالقيام بانتهاكات ونفي من جانب الحكومة لذلك، تعرض مراسل بي بي سي في القاهرة جون دونيسون لتجربة مباشرة مع الأمن المصري يحكي عنها..

كان مركز الشرطة المصري الصغير أقرب إلى الكشك، فحجمه ضئيل وهو عبارة عن حجرة متربة بها كرسيان وأريكة ومكتب، ولم يكن يزينها سوى صورة للرئيس المصري حسني مبارك على الحائط.

ووراء المكتب جلس الضابط صبري، طويل القامة ويرتدي نظارة.. حملق في وعلى شفتيه ابتسامة غير متعاطفة متسائلا : quot;أنت سرقت؟quot;

أطرقت وجلست على كرسي بجانبه..

محضر السرقة
سيقول لك الناس هنا إن هناك رجل شرطة لكل فرد من سكان القاهرة..

وبالفعل ينتشر الآلاف من رجال الشرطة في شوارع القاهرة بزيهم الأبيض اللون، وهو من سوء الحظ لا يتناسب مع المدينة حيث يؤدي التلوث والغبار والعرق مع اللون الأبيض إلى مزيج كموني.

ناولني الضابط صبري ورقة وقلما وطلب مني كتابة ما حدث..

أخذت الورقة كتبت بعناية ما حدث ووصف للرجلين، العمر، الطول، الملامح وكيف احتكا بي في الطريق ونشلا حافظة نقودي قبل أن ينطلقا إلى عربة أجرة منتظرة، أقلتهما بسرعة..

حدث ذلك يوم الجمعة، وهو اليوم الوحيد في القاهرة الذي يمكن فيه الانطلاق بالسيارة بسرعة نسبيا..

وبمجرد أن انتهيت، أخذ الضابط صبري الورقة وتفحصها وأخذ قلما وشرع في الترجمة إلى العربية.

وتأملته ويده تنطلق بانسابية من اليمين إلى اليسار. وبمجرد إعداده نسختين من المحضر، حيث لا توجد ماكينات تصوير، استرخى على كرسيه ونظر باعجاب إلى ما قام به وقدم لي نسخة.

انسحبت خارجا من مركز الشرطة الحار المترب حاملا معي نسختي من المحضر..

ضاع في الترجمة
التقيت صديقا مصريا، وحول كوبين من الشاي أخذت أقص عليه حكايتي. وفيما تنتقل عيناه مع حروف المحضر وكلماته، أخذت ابتسامته تزداد اتساعا.

ضحك قائلا :quot;لا توجد إشارة لحدوث سرقة هناquot;. وتابع قائلا :quot;لا توجد جريمة، يقول المحضر ببساطة أنك فقدت محفظتك في الشارعquot;.

وبعد 5 دقائق كنا في مركز الشرطة، حيث كانت المروحة الدائرة فوق رؤوسنا تحاول عبثا تهدئتنا..

بدا الضابط صبري محرجا بعد أن أدرك أن ترجمته للحقيقة قد فضحت.

ولم يكن صديقي مرتاحا، فكما قال لي إنها المرة الثالثة في حياته التي يدخل فيها مركزا للشرطة وهو لم يحب ذلك أبدا.

وأخيرا محضر
وللشرطة المصرية سمعة سيئة..

فالكثير من الناس هنا يشعرون أن رجال الشرطة ليسوا في بياض ملابسهم. وتقريبا كل من تقابله له قصة مع الشرطة سواء تعلق الأمر برشوة أو معاملة سيئة وربما أسوأ.. التعذيب.


يعيش في القاهرة 18 مليون نسمة
فخلال الشهر الحالي تم التحقيق مع 3 من رجال الشرطة بتهمة ضرب رجل حتى الموت.

وفي حادثة أخرى، لقي صبي عمره 13 عاما حتفه بعد اعتقال الشرطة له. وتقول أسرته إنه تعرض للضرب والاحراق.

وفي الحادثتين نفى رجال الشرطة حدوث أي تجاوزات.

وتتهم جماعات حقوق الانسان الشرطة المصرية بارتكاب انتهاكات، وترد الحكومة بأن هناك مبالغات في هذه المزاعم.

ورغم ذلك، فان أغلب المصريين إن لم يكونوا مذعورين فانهم على الأقل قلقين من الشرطة لذلك لا يريد أحد أن يدخل في مواجهة معها.

ولعل ذلك أحد الأسباب التي تجعل أهالي القاهرة يقولون إن نسبة الجريمة منخفضة في مدينتهم.

وفي النهاية تم تحرير محضر بالسرقة التي تعرضت لها..

وفي الواقع ان حملي بطاقة صحفية تمكنني من الوصول إلى المكاتب الحكومية أعطى زخما للضابط صبري لدرجة انه قال لي إن لديه فكرة عمن قد يكون وراء الحادث.

ولكن، فيما كنت أغادر مركز الشرطة الصغير إلى الشارع شعرت بالقلق وتمنيت ألا يحاول الضابط صبري وزملاءه جاهدين الوصول إلى الرجلين اللذين سرقا حافظتي.