عبدالله اسكندر

من الجوانب الأساسية للأزمات المتناسلة في لبنان، ومنها الأزمة الرئاسية، تحييد مفاعيل المواقف التي عبرت عنها مصر وفرنسا، لمناسبة قمة الرئيسين حسني مبارك ونيكولا ساركوزي. جوهر هذه المواقف المشتركة هو إنتخاب الرئيس التوافقي في لبنان، إستنادا الى ان في بلد الارز فريقين ينبغي الا ينتصر احدهما على الآخر. اي إنتخاب الرئيس، كمدخل لحل الازمة اللبنانية على القاعدة الشهيرة laquo;لا غالب ولا مغلوبraquo; التي جرى إعتمادها في مطلع العهد الشهابي، وبعد أزمة 1958 التي نشبت بفعل محاولة الرئيس حينذاك تجديد ولايته ومحاولة الإنخراط في الحلف الاميركي حينذاك.

laquo;اللاغالب واللا مغلوبraquo; يعني داخليا ان كلا من القوى الداخلية يتخلى عن برنامجه الكامل، خصوصا الجانب الخلافي منه، في مقابل إنخراطه مع القوى الاخرى في مشروع الدولة. ويعني خارجيا ان الدولة اللبنانية تلتزم سياسة خارجية متطابقة مع العرب في قضاياهم المشتركة. ونجحت هذه الصيغة، بفعل الإجماع الداخلي على شخصية قائد الجيش آنذاك الراحل فؤاد شهاب المقتنع بضرورة ان يتخذ الحكم كل الاجراءات الممكنة لإنخراط كل القوى والطوائف في برنامج الدولة. وبفعل صيغة التفاهم مع الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر ان حماية السلم الداخلي لا ينفصل عن إنخراط الحكم اللبناني في دعم القضايا العربية. وإذا كانت الولايات المتحدة شكلت، آنذاك، الحماية الغربية لهذه التسوية، فان فرنسا الديغولية لاحقا حرصت على حمايتها.

صحيح ان معطيات كثيرة تغيرت في المنطقة ولبنان. ولعل من أهمها ان الثقل العربي في لبنان، إنتقل من القاهرة الى دمشق. وتعزز هذا الانتقال بفعل إستراتيجية وضع قواعدها الرئيس الراحل حافظ الاسد، تقوم على الإمساك باوراق النزاع مع إسرائيل، خصوصا فلسطينيا ولبنانيا، وحتى اردنيا. وايضا بفعل إنحسار الدور العربي لمصر مع توجه رئيسها الراحل انور السادات الى السلام المنفرد مع إسرائيل، والموافقة الضمنية العربية على توكيل دمشق بانهاء الحرب الاهلية في لبنان. وهي انهتها على قاعدة الإستراتيجية المذكورة، بما ادى الى زعزعة تسوية laquo;اللا غالب واللا مغلوبraquo;. ولا تزال الازمة مستمرة بفعل هذه الزعزعة لأسس قيام الوطن اللبناني حيث تتعايش سلما الطوائف والقوى السياسية، بالاحتكام الى قواعد دستورية دقيقة، وإن هشة. والضمانات لمثل هذا التعايش يتبادلها الغرب المسيحي مع الاقليم المسلم، كي يظل لبنان مساحة للحوار والتفاهم ليس فقط بين ابنائه وانما ايضا مساحة لإظهار النيات الحسنة بين الغرب والاقليم، خصوصا في اوقات الاضطراب السياسي.

وفي هذا الاطار، يجد كل من فرنسا ومصر نفسه في موقع السعي الى إعادة صوغ هذا التعايش. الاولى لانها القوة المنتدبة التي انشأت لبنان الحالي واقامت علاقة خاصة مع مسيحييه، والثانية لانها شكلت، لاسباب تاريخية ايضا، نقطة جذب مستمر لمسلميه، خصوصا السُنة منهم. وتعبر الدولتان حاليا، فرنسا عن الغرب ومصر عن العرب، عن الرغبة في تجديد للتسوية الداخلية اللبنانية.

وفي هذا المعنى، عندما تتحدث المعارضة اللبنانية المدعومة من دمشق، عن ان التسوية الداخلية تقتضي مصالحة سورية - سعودية، فانها توحي بان الازمة هي نتيجة حال التوتر بين الدولتين. وتتجاوز عمدا الخلل الذي ادخلته على صيغة التعايش، عبر محاولة فرض برنامج يطاول ادوار الاطراف الداخلية والقواعد التي تنظمها. ما ادى الى الخلل في العلاقات العربية والدولية ايضا لسورية.