انفجار فقاعة العقارات وانخفاض الدولار وارتفاع أسعار النفط

واشنطن - أحمد عبدالهادي

كان عام 2007 في الولايات المتحدة الأمريكية مزيجا من أمور عدة تتناقض في مؤداها العام، ولكنها - في محصلتها النهائية - تضع الأمريكيين مرة أخرى على أرض الواقع البارد لتعيد تذكيرهم بأن هناك فواتير ينبغي دفعها، وبأن المغالاة - في الإنفاق كما في السياسات الخارجية - لم تكن أبدا مجانية.
ومن المحتمل أن يكون الحدث الأبرز الذي مر به الأمريكيون في ذلك العام حدثا اقتصاديا. فقد انفجرت فقاعة العقارات، وأدى ذلك إلى وضع ضغوط خانقة على قطاع الائتمان، ووصل سعر صرف الدولار إلى انخفاض قياسي، وعلى الرغم من الحجم الهائل الذي تبين في نهاية العام للخسائر التي نجمت عن هذه الأزمة فإن الأسوأ لم يحدث بعد. فقد حانت لحظة دفع فاتورة الإنفاق من أموال مقترضة، وهي عادة مفضلة لدى الحكومة والشعب - على حد سواء - في الولايات المتحدة.
خط بياني متعرج
ويمكن رصد تطور العلامات المهمة خلال 2007 على نحو تتابعها الزمني، إذ يرسم الخط البياني عندها مسارا متعرجا يميل تدريجيا إلى الهبوط، أي إلى العودة إلى أرض الواقع البارد لمواجهة إفراط حدث على كل الأصعدة بلا استثناء وليس على الصعيدين الاقتصادي والمالي وحدهما.
فقد بدأ العام بوصول أسعار النفط إلى ما فوق 58 دولارا للبرميل بقليل. وعلا الصراخ على ارتفاع أسعار الطاقة، فيما كان ذلك السعر يقل عن أسعار منتصف الثمانينات مثلا إذا ما حسب بدولارات ذلك الوقت. إلا أن ذلك بدأ يضع قدرا من الضغط على ما سبق من quot;نزهةquot; رخيصة الثمن جعلت الأمريكيين أكثر شعوب العالم هدرا للطاقة.
عودة الديموقراطيين
وترافق ذلك مع تبدل بنية الكونجرس، إذ تولى الديموقراطيون دور قيادة المجلس التشريعي، ومن ثم انتخاب نانسي بيلوسي رئيسة لمجلس النواب لتقود المجلس تدريجيا إلى الحصول على أقل نسبة من الإنجازات يحققها خلال عام على امتداد تاريخه، ولتضع شعبية المجلس التشريعي في مستوى أدنى، حتى من المستوى الذي بلغته شعبية الرئيس بوش. وكان في ذلك بدوره تذكرة بأرض الواقع البارد، إذ يحتاج التغيير إلى ما هو أكثر كثيرا من نانسي بيلوسي ورجالها.
رسائل عسكرية
وفي يوم واحد من أيام يناير 2007 قتل 25 أمريكيا في العراق بينهم 12 في حادث تحطم مروحية. وكان الرئيس بوش قد أعلن قبل ذلك بأيام قلائل عن تحمله مسؤولية الوضع في العراق، وكشف عن استراتيجيته الجديدة بزيادة عدد القوات الأمريكية هناك. وفي خطاب حالة الاتحاد - الذي لم يشبه في شيء خطاب ما بعد أحداث 11 سبتمبر - استعطف الرئيس بوش الأغلبية الديموقراطية أن توافق على استراتيجيته، ورفضت بيلوسي وصحبها، ليبدأ في واشنطن صراع لم يحسم حتى الآن وإن كانت الإدارة قد أبلت فيه بلاء حسنا على نحو خالف كل التوقعات.
وإذا كان مصرع 25 أمريكياً في 20 يناير هو إعادة لتذكير الجميع بأن النزق الذي كان له ثمن يتحتم دفعه، فإن الرسالة لم تكن عراقية فقط، فقد تعرض نائب الرئيس ديك تشيني بعد ذلك بخمسة أسابيع لمحاولة استهدفت حياته حين كان يزور قاعدة باجرام في أفغانستان. وكان الانفجار قريبا من تشيني الذي حمله حراسه إلى مخبأ محصن ضد القنابل. وبدا أن أصوات الرسائل تتصاعد حدة يوما بعد يوم.
وسياسية
إلا أن الفواتير لم تكن قد انتهت، بل كانت تبدأ. فقد أتت رسالة أخرى صوب نائب الرئيس حين أدين مدير طاقمه سكوتر ليبي بتسريب هوية مسؤولة في المخابرات المركزية، ثم ما لبث هذا المدير الصامت أن قدم استقالته، وأعقب ذلك اعتراف وزير العدل - السابق إذ استقال في فترة لاحقة - ألبرتو جونزاليس بارتكاب أخطاء في إدارته لوزارته، وبدا أن الانفجارات لن تقتصر على العراق وأفغانستان وحدهما.
وواقع الأمر أن هذه الأحداث المتعاقبة كانت بمثابة إرساء لإيقاع ما سيحدث خلال العام بأكمله. أي متاعب تواجهها الإدارة في الداخل، ومتاعب يواجهها الأمريكيون مع جيوبهم، متاعب تواجهها الولايات المتحدة في الخارج. ولعل الخيط الذي ينظم كل هذا المسلسل من المتاعب هو خيط الإفراط والمغالاة من الجميع، وإساءة قراءة ما هو ممكن، وما هو معقول، بخلطه بما هو غير ممكن أو معقول.
وخلال ذلك طبقت الإدارة استراتيجية زيادة القوات، وكان ذلك واحدا من الأمور القليلة التي يمكن وصفها بالمنطقية، لا لأنها أدت إلى تبدل الأوضاع في العراق، إذ إن ذلك التبدل كان راجعاً لعوامل أخرى، ولكن لأن تلك الاستراتيجية أكدت أن الولايات المتحدة لن تترك العراق بعد أن دمرته وأطلقت في ربوعه حماما عبثيا من الدم. أما الإنجازات التي حدثت بعد ذلك فإنها تحسب لآخرين من أبناء العراق ومن قوى أخرى قررت أن تتحرك بعد أن نفد صبرها.
إلا أن القتلة لم يرغبوا في ترك المسرح قبل إراقة أكبر قدر ممكن من الدم، فوصل مستوى القتل والتفجير في منتصف العام إلى مستويات قياسية. وخلال ذلك كانت quot;الرسائلquot; تتواصل، اضطرابات في الصومال، واقتحام للمسجد الأحمر في باكستان، ورحيل لتوني بلير، وازدياد ملموس في عمليات طالبان وتصاعد لأزمة البرنامج النووي الإيراني وهزات متعاقبة في وول ستريت تنذر بعاصفة لن تلبث أن تهب بأقوى مما توقع الجميع.
استقالات بالجملة
وخلال ذلك تواصل سقوط الأوراق من شجرة إدارة دخلت خريف عامها قبل الأخير، فاستقال المستشار الأقرب للرئيس كارل روف، ثم استقال جونزاليس، واستقال نحو 12 من أبرز مسؤولي وزارتي الخارجية والدفاع وهيئات فدرالية أخرى.
أما في الخارج فإن الوضع في العراق - على الرغم من تحسنه النسبي - لم يحل دون أن يكون 2007 هو أكثر الأعوام دموية للقوات الأمريكية هناك. فضلا عن هذا فقد تعرض البرلمان العراقي - الذي أرادته واشنطن رمزا للديموقراطية هناك - لهجوم إرهابي على الرغم من أنه لم يكن يوما مصدراً للمبادرة كما يقول الأمريكيون، وتعرض أعضاء في البرلمان الأفغاني أيضاً لهجوم أودى بحياة ستة منهم.
الانقلاب على بوش
وما لبثت متاعب الداخل أن تفاقمت على صعيد صياغة السياسة الخارجية، صدر التقرير الاستخباراتي الذي وضعه 16 جهازا أمريكيا للمخابرات عن قدرات إيران النووية وأعلنوا فيه أن طهران أوقفت برنامجها النووي العسكري. وكان ذلك - كما وصفه سفير واشنطن السابق في الأمم المتحدة جون بولتون - انقلابا على بوش وسياسته. وعلى الصعيد الاقتصادي أخفقت محاولات الاحتياطي الفدرالي تحجيم أزمة قطاع الائتمان، إذ كانت القروض العقارية المهتزة أو المعدومة تشكل جبلا يصعب التعامل معه. وبدا أن الأسلوب الوحيد المتبقي هو محاولة إدارة الأزمة بعد أن تبين أن حلها يتجاوز كل ما هو مستطاع.
ثم ما لبث العام أن انتهى برسالة دموية أخرى جاءت هذه المرة من باكستان، حيث اغتيلت رئيسة الوزراء السابقة بي نظير بوتو، لتبدأ في واشنطن مباراة توزيع الاتهامات، ليس إلى حيث ينبغي أن تذهب، أي ليس إلى قوى الإرهاب التي لا تجيد سوى لغة القتل والتفجير، ولكن إلى هذا السياسي أو ذاك، أو هذا المسؤول أو ذاك.
لقد كان عاماً ككل الأعوام الأخرى من حيث مساحته الزمنية، إلا أنه كان عام بدء دفع الفواتير المؤجلة في الولايات المتحدة. وإذا كانت الأعوام السابقة شهدت زهوا ونزقا وشططا وإفراطا، فإن 2007 قدم إلى الجميع رسالة واحدة: لكل شيء ثمن.