حسن مدن

كان الشيخ عبدالله الأحمر رئيساً لمجلس النواب اليمني، ولكنه في ذات الآن كان شيخ مشايخ حاشد كبرى قبائل اليمن، وإلى ذلك كان يتولى رئاسة حزب التجمع اليمني للإصلاح.

بهذه الصفات يكون الرجل جامعا في شخصيته بين نقائض، إلى الدرجة التي تجعل السؤال مبررا عما إذا كان الأحمر رجلاً للدولة أم انه رجل القبيلة، أم انه كان ممثلا للاثنتين؟

البرلمان الذي كان الأحمر يترأسه هو تكوين سياسي حديث لا شأن للقبيلة به، أو هكذا يفترض، لأن القبيلة تتدبر أمورها وتنظم صفوفها بآليات quot;تقليديةquot; من طينتها.

ويصح الأمر على حزب الإصلاح الذي كان يترأسه، فالحزب، هو الآخر، وكما البرلمان، تكوين سياسي حديث، لا شأن للقبيلة به، من حيث كونها شكلا من التنظيم، أبعد ما يكون عن بنية الحزب وصيغ اتخاذ القرار فيه.

هكذا تبدو الأمور للناظر إليها من خارجها، أو أنها تبدو هكذا لو أن المراقب احتكم إلى ما هو مرعي من مفاهيم وتصورات، خارج حدود الخصوصية اليمنية.

وهي على كل حال ليست أكثر من تنويع على الصفة العامة التي تطبع العلاقة بين الدولة، من حيث هي تنظيم حديث، بما هو سابق لها من بنى وهياكل وتنظيمات، كالقبيلة والعشيرة والطائفة والعائلة في البلدان النامية إجمالا.

اليمن حالة نموذجية لدراسة العلاقة بين الدولة والقبيلة، وهي علاقة لم ينج من آثارها وتداعياتها حزب ممعن في حداثته وعلمانيته وثوريته كالحزب الاشتراكي الذي حكم جنوب اليمن، يوم كان دولة مستقلة، فالنزاعات التي نخرت الحزب، والتجربة التي قادها، كانت في الجوهر نزاعات بين القبائل ارتدت اللبوس الأيديولوجي والسياسي، دون أن تكون كذلك فعلا.

بعد ما تجمعت السلطة المركزية في صنعاء، بعد الوحدة، لم تضعف القبيلة ولا دورها، وجسد عبدالله الأحمر بوصفه زعيم كبرى القبائل العلاقة التي طبعت القبيلة بالدولة، فالأولى وإن تصالحت مع بنى الدولة، فإنها ليست في وارد التخلي عن الفضاء الواسع الذي تتحرك فيه مستقلة عنها.

ستسمح القبيلة لنفسها بأن تخترق أجهزة الدولة، بما فيها أكثر تكويناتها حداثة كالبرلمان والأحزاب، ولكن لن تسمح هذه القبيلة للدولة أن تخترقها، لأن في هذا quot;الاختراقquot; ما يقوض سلطتها كقبيلة، ولو على المدى البعيد. وهو ما لا يمكن للقبيلة أن تسمح به.

د. حسن مدن