جهاد الخازن

العام 2007 لفظ أنفاسه لا ردّه الله، فمع تراكم الخسائر القومية من العراق الى فلسطين ولبنان وكل مكان، خسرت بعض أفضل الأصدقاء الذين رحلوا عنّا فجأة. وأحاول اليوم أن أغلق ملف الكتب التي قرأتها خلال السنة الماضية، وعرضت بعضها على القراء، بكتابين جميلين أرجو أن تكون زاوية اليوم حافزاً على اقتنائهما.

الكتاب الأول هو laquo;معجم تصحيح لغة الإعلامraquo; للدكتور عبدالهادي بوطالب، المفكر المغربي البارز والوطني العربي الكبير، الذي يقول في مقدمة الكتاب إنه يعنى بتصحيح بعض أخطاء لغة الإعلام العربي. وأقول أنا إنني وجدت الجهد مفيداً جداً للمذيعين والمذيعات العرب، لأنه يشمل حركات الكلمة كلها، لا الإعراب الذي ركزت عليه منذ عملت في الصحافة وأنا طالب فقد كان يهمني أن تكون مخارج الكلمات صحيحة لأن هذا ما يظهر في ما أكتب، أما المذيع أو المذيعة فمضطر ان يحرك الكلمة كلها، لا مجرد المرفوع أو المخفوض من نهايتها.

المنافسة في السنوات الأخيرة رفعت كثيراً من مستوى الإعلاميين، خصوصاً في الفضائيات العربية، والكتاب المعجم يمثل اضافة مهمة الى حقل المعارف اللغوية التي تفيدهم في قراءتهم الأخبار. وأعترف بأنني بعد دراستي الأدبية وعملي عقوداً وجدت أشياء لم أكن أعرفها.

المذيع والمذيعة سيستفيدان كثيراً من جهد الدكتور أبو طالب، ففي الكتاب:

أزْمة، لا أزَمة، والجمع أزَمَات، وحَلْبة، لا حَلَبة، والجمع حَلَبات. أيضاً عُنْجُهية لا عَنْجَهية، وخِطبة لا خُطبة أو خطوبة، وحِقْبة لا حُقبة أو حَقَبة، وحَرَص لا حَرِص، وحَدَب لا حَدْب.

وجدت شرحاً مقنعاً للفارق بين تقييم وتقويم، والمؤلف يقول ان الأولى تعني اعطاء القيمة المادية للشيء، والثانية اصلاح المعوج. وأعرف أن الزميلة laquo;النهارraquo; تستخدم تقويم فقط للمعنيين، ربما لأن تقييم غير موجودة في القاموس.

الدكتور عبدالهادي بوطالب يتوكأ على شواهد من القرآن الكريم حيث يجدها، ويقول مثلاً: اختلفوا في الشيء لا اختلفوا عليه، ويزيد أن هناك 17 شاهداً على هذا في القرآن الكريم. وكنت قرأت في سيرة الإمام علي ان يهودياً قال له: ما مات صاحبكم حتى اختلفتم فيه. ورد علي بن أبي طالب: اختلفنا عنه لا فيه.

أمثلة الكاتب وطنية ان لم تكن قرآنية، وتعكس ما نعرف من سيرته الكريمة، وفي حين أنني دونه معرفة وفضلاً، فإن لي بعض الملاحظات.

هو يشرح كلمتي السابق والأسبق، ويقول إننا في المشرق العربي نستعمل الثانية، مع تفضيله الأولى. غير أن هناك فارقاً وكلمة الأسبق تعني الذي جاء قبل السابق، وهكذا: توني بلير، رئيس وزراء بريطانيا السابق، وجون ميجور، رئيس وزراء بريطانيا الأسبق.

ولاحظت أن الأستاذ الفاضل يستعمل كلمة البعض، وأرى ذلك خطأ فالكلمة هذه لا تأخذ أل التعريف لأنها في نية الإضافة، وهناك عشرات الأمثلة عليها في القرآن الكريم، ولكن الدكتور بوطالب يقول: البعض يسمي البنت... وأيضاً: بعض المعاجم الحديثة أدخلت، وفي هذه العبارة الأخيرة خطأ آخر لأن بعض مذكرة دائماً، والصحيح هو أن نقول: بعض النساء يقول، لا تقول أو تقلن.

لعل أستاذي الدكتور محمد نجم يقرأ هذه السطور ويعطينا رأيه فقد أنهيت السنة بقراءة laquo;دار المعلمين والكلية العربية في بيت المقدسraquo; وهو من إعداده وتحريره، وريع الكتاب يخصص لصندوق الطلاّب الفلسطينيين الذي يرعاه، لذلك فشراء هذا الكتاب عمل وطني أيضاً.

الكتاب يؤرِّخ لجيل من المفكرين والوطنيين الفلسطينيين والعرب الآخرين، حول دار المعلمين التي أسسها الانكليز عام 1918 وتحولت الى الكلية العربية عام 1927، وتخرج فيها وعلّم أركان النهضة العربية في العشرينات والثلاثينات.

كان الدكتور نقولا زيادة بين أوائل الخريجين، وهو علمني في الجامعة الأميركية في بيروت، وسجل في الكتاب ذكرياته عن الدراسة وعن الذين عاصروه على مقاعدها. ووجدت بين أسماء التابعين الأستاذ احسان عباس، أستاذي في الجامعة الأميركية، وأيضاً الدكتور محمد نجم الذي كان يشرف على عملي للماجستير عندما يغيب الدكتور عباس، كذلك علمني التاريخ الدكتور محمود زايد في الثانوية والجامعة.

رئيس دار المعلمين خليل السكاكيني استقال احتجاجاً على تعيين الصهيوني هربرت صموئيل مندوباً سامياً في فلسطين. وخلفه خليل طوطح واستقال، أو أقيل، مع بعض المعلمين، عام 1925 عندما تظاهر الطلاب وأضربوا احتجاجاً على زيارة اللورد بالفور القدس لافتتاح الجامعة العبرية وخلفه أحمد سامح الخالدي، أبو الدكتور وليد الخالدي الذي علمني في الجامعة.

كثيرون من الأساتذة جاؤوا من الجامعة الأميركية في بيروت، كما ذهب طلاب كثيرون اليها، ومنهم ضياء الدين الخطيب الذي درس أيضاً في أدنبرة، ووصفي عنبتاوي ودرس أيضاً في أكسفورد، وأحمد طوقان ودرس أيضاً في كامبردج. والأسماء الأخرى المرتبطة بالمعهد العربي تكاد تكون قائمة بمشاهير الأسر الفلسطينية فكان هناك العلمي وقدومي والكرمي والشرابي والشهابي والحسيني وقعوار وخوري وطهبوب والخطيب وعبدالهادي، وأيضاً الأرميني الفلسطيني بوزنت غباريان.

الطلاب كانوا يقومون برحلات حول فلسطين، وهم في رحلة الى أريحا ناموا في المساجد والأديرة، والدكتور نقولا زيادة يشكر لرهبان دير الأقباط، أي المسيحيين المصريين، ضيافتهم، وأنا أتذكر أستاذي الراحل ولا أتخيله طالباً في laquo;شورتraquo; فقد عرفته وانما بصفة laquo;عمّوraquo; أو laquo;دكتورraquo;، وهو ولد عام 1907 وتوفي عام 2006 عن 99 سنة، ولكن لا بد من أنه كان ولداً صغيراً يوماً.