خيرالله خيرالله

شيئاً فشيئاً يدرك الرئيس نيكولا ساركوزي مثلما أدرك كثيرون غيره، ان التعاطي مع النظام السوري لا يمكن ان يكون عن طريق الجزرة فقط. قال ساركوزي في مصر بعد اجتماعه بالرئيس مبارك ما كان يجب قوله منذ فترة لا بأس بها وهو ان لا اتصالات فرنسية بعد الآن بدمشق ما دامت تكتفي بالكلام ولا تقدم على أفعال في ما يتعلق بانتخاب رئيس جديد للبنان خلفا لذلك الذي يخجل المرء من ذكر اسمه. شيئاً فشيئاً سيكتشف ساركوزي ما اكتشفه سلفه باكراً وأن لا داعي للخروج عن سياسة جاك شيراك من اجل القول ان الرئيس الجديد يختلف عن الذي سبقه وأنه يمتلك رؤية خاصة به للأمور. أكثر من ذلك، في حال كان ساركوزي يريد إثبات انه يمتلك شخصية خاصة به وسياسة مختلفة عن شيراك، يمكن القول انه استطاع ذلك ولكن ليس بالضرورة من خلال التعاطي مع الموضوع المرتبط بالعلاقة بين سوريا ولبنان في ظل النظام الحالي في دمشق. يكفيه انه قام بثورة في الاليزيه بتغييره بعض التقاليد المتبعة في قصر الرئاسة الفرنسي، اقله في ما يخص الحياة الشخصية للرئيس.

الآن وقد اكتشف الرئيس الفرنسي الجديد ما عليه اكتشافه وتعلّم بعض ما يفترض به ان يتعلمه، لا بدّ من الإشارة إلى ان خطابه السياسي في ما يخص النظام السوري لا يزال في حاجة إلى بعض المعالجات التي تبدو سطحية، لكنها تمسّ في الواقع الجوهر اللبناني وجوهر السياسة التي يتبعها النظام السوري من اجل العودة إلى لبنان وإعادته إلى الوصاية مجدداً.

يتحدّث الرئيس الفرنسي بنية طيبة من دون أدنى شك عن حاجة لبنان إلى انتخاب رئيس quot;توافقيquot;. في المفهوم السوري، هناك حاجة إلى رئيس توافقي وحكومة توافقية، تسمى حكومة وحدة وطنية، وقانون انتخابي جديد على ان يتفق على كل هذه النقاط دفعة واحدة. بكلام أوضح، مطلوب ألا يكون هناك اتفاق على أي شيء في لبنان. لماذا؟ لأن النظام السوري يراهن على الوقت ويعتقد انه يعمل لمصلحته، لذلك يربط الأمور ببعضها بعضاً كي تكون هناك شروط وشروط على الشروط ومزيد من الشروط على شروط الشروط.

تبدو اللعبة السورية مكشوفة. هذا ما يفترض قوله لساركوزي. انها مكشوفة إلى درجة انه عندما وافقت الأكثرية النيابية على رئيس أكثر من توافقي هو قائد الجيش العماد ميشال سليمان، وقدمت كل هذه التنازلات، من اجل ان يكون للبلد رئيس، صعّد النظام السوري مواقفه. لم يكتف بمزيد من الشروط تطرحها الأداة الايرانية المتمثلة في quot;حزب اللهquot; وأداة الأدوات كالعماد ميشال عون، بل استمر مسلسل الاغتيالات. وبدا تفجير العميد فرنسوا الحاج رسالة موجهة إلى العماد سليمان الذي كان اختار المغدور ليخلفه في قيادة الجيش... بدا مطلوباً ابلاغ كل من يعنيهم الأمر ان الرئيس اللبناني ليس الطرف الذي يختار قائد الجيش لا أكثر ولا أقلّ.

من هذا المنطلق ليس كافياً حديث الرئيس الفرنسي عن رئيس quot;توافقيquot; بمقدار ما ان عليه وضع النقاط على الحروف والتوضيح للجميع ان لعبة الرهان على الوقت التي يمارسها النظام السوري لم تعد تنطلي على احد. هناك فارق بين التوافق على رئيس والمتاجرة بـquot;التوافقquot; من اجل تفادي انتخاب رئيس. من يريد رئيساً توافقياً يفتح أبواب مجلس النواب وينتهي من المناورات السمجة التي يمارسها رئيس المجلس الذي يرفض الاعتراف بأن لا وجود لشيء اسمه معارضة وطنية لبنانية بمقدار ما ان الموجود رأس حربة للمحور الايراني ـ السوري لا هم لها سوى تحويل لبنان quot;ساحةquot; للمحور يبتز عبرها العرب والمجتمع الدولي على حساب اللبنانيين وأرزاقهم وممتلكاتهم وأعز ما يملكون من شرفاء ذنبهم الوحيد رفضهم للظلم والتبعية.

في حال كان الرئيس الفرنسي في حاجة إلى دليل على مدى تبعية المعارضة للمحور الايراني ـ السوري، فكل ما عليه عمله هو ملاحظة الصمت التام لـquot;حزب اللهquot; وquot;أملquot; حيال زيارة قام بها نائب للرئيس الايراني لليبيا حديثاً وتوقيعه سلسلة من الاتفاقات بين البلدين خلال الزيارة. لو فعل ذلك مسؤول لبناني لكانت قامت القيامة عليه، اما حين يتعلق الأمر بسوريا أو إيران، تغيب فجأة قضية الامام موسى الصدر عن البال، علماً بأن الامام الغائب لبناني بمقدار ما هو إيراني وإيراني بمقدار ما هو لبناني!.

من إيجابيات كلام ساركوزي في القاهرة انه اقترب من وضع النقاط على الحروف عندما تحدث عن المحكمة الدولية وعن مدى استعداد فرنسا للذهاب بعيدا في دعم المحكمة بما في ذلك المساهمة في تغطية نفقاتها. وسيقترب أكثر من ذلك حين يدرك ان المرشح الوحيد للنظام السوري للرئاسة في لبنان هو الفراغ، وأن النظام في دمشق يظن ان بوش الابن سيرحل قريباً كما رحل قبله شيراك... وأن ثمة أملاً في التخلص من المحكمة الدولية عن طريق تغيير الوضع في لبنان بشكل جذري.

في مطلع سنة 2008، لم يعد هناك في العالم الحر من لا يدرك معنى ما يتعرض له لبنان من ظلم ومخاطر تهدد مؤسسات الدولة. هناك بكل بساطة من يريد ان يكون الوطن الصغير مجرد رهينة لعقد صفقات على حسابه. لعل أكثر ما يثير الأسف ان هناك لبنانيين يقبلون بأن يكونوا أدوات أو أدوات للأدوات.

آن لهؤلاء الاستفاقة من غيبوبتهم التي أغرقهم فيها الدولار الطاهر. في استطاعة بعض هؤلاء، خصوصاً الذين يدّعون انهم أحرار وأن مرجعيتهم ليست خارج لبنان، استخدام كلام الرئيس الفرنسي حبل نجاة للعودة إلى quot;الساحة اللبنانيةquot; بدل البقاء في quot;الساحة السورية ـ الايرانيةquot;.