عبد الرحمن الراشد

في باكستان ستلازم جريمة قتل رئيسة الوزراء السابقة بنازير بوتو المشهد السياسي لعقود طويلة، وسيبقى السؤال نفسه معلقا في كل جريمة سياسية: من الفاعل؟

في البلاد ثلاث دوائر متصارعة بشكل صريح، السلطة ممثلة في الرئيس برويز مشرف، والمعارضة المدنية الممثلة في الأحزاب السياسية كحزبي بوتو ونواز شريف، والثالثة دائرة المتطرفين الذين سبق ان نفذوا عشرات العمليات الارهابية، ويقفون ضد كل من السلطة والمعارضة المدنية، وتحديدا حزب بوتو.

مبعث الارتياب ضد السلطة الرسمية، سببه خلافها مع الراحلة بوتو، الى درجة انها اتهمت الأمن الباكستاني بالتقاعس، بل والإيحاء بالتواطؤ في محاولة قتلها، التي سبقت اغتيالها بأسابيع، وكتبت مقالا تصف فيه شكوكها وشكواها. لكن هناك جملة حقائق موضوعية تجعلنا نقول انه من غير المنطق، ان تكون السلطة وراء اغتيالها، لأنها متضرر أساسي من الجريمة، ومن الغاء بوتو من المعادلة السياسية. فغيابها ترك نواز شريف خصما أقوى ضد الرئيس مشرف. في السابق كانت أي انتخابات تعني انقسام المعارضة بين الحزبين الكبيرين المتقاتلين، اما الآن فإن المعارضة اتحدت تحت شريف ضد مشرف، وستشكل له متاعب أكبر. ثانيا، رغم خلاف بوتو الا أنها كانت اقرب الى مشرف في مسألة محاربة التطرف والإرهاب، وبالتالي غيابها يخدم المتطرفين الاسلاميين، والآن صار مشرف شبه وحيد في محاربة جموع التطرف. أخيرا، ليس بذي نفع لمشرف، في أن يتخلص من بوتو، خاصة بعد أن أنهى الشق الصعب وعين نفسه رئيسا، فلم يتبق سوى الانتخابات البرلمانية. ورغم كل ما قيل، ويقال، عن الرئيس مشرف من اصراره على احتكار السلطة، فهو يعرف ان التخلص من الخصوم لا يلغي المعارضة، بل يزيدها تعقيدا. وكل الخطوات الأخيرة تؤكد رغبته في التصالح بموافقته على رجوع بوتو من المنفى، وكذلك السماح لنواز بالعودة. وها هي مضاعفات الاغتيال الخطير واضحة، فمشرف ابرز المتضررين لأنها اثبتت ضعف أجهزته الأمنية، وثانيا أربكت علاقاته السياسية الداخلية، وبالتأكيد أحرجته وهزت من موقعه خارجيا.

ومع أن براءة مشرف شبه مؤكدة من دم بوتو، الا ان اسلوبه في ادارة الأزمة من بدايتها لم يساعد كثيرا في احتواء هيجان المعارضة النظامية، مثل بوتو وشريف. أيضا ضعف تجربته السياسية ظهرت جلية في مصارعته كل خصومه في وقت واحد، في حين ان التحدي الحقيقي امام باكستان اليوم، هو في مواجهة الارهاب الذي ينمو بشكل سريع وخطير على الحدود والمدن أيضا.

على مشرف ان يدرك حاجته الى اقتسام السلطة مع المعارضة، لا اغلاق الابواب والنوافذ في وجهها، مهما كانت حججه الأمنية والسياسية. فهو لا يستطيع تحقيق الاستقرار بتهميش المعارضة الشرعية، وتعديل القوانين كما يحلو له.

كرئيس، لا جنرال في الجيش، يحتاج اولا الى الاستعانة بهياكل الدولة، حتى يضمن الدعم الضروري من المجاميع السياسية المحلية، التي بدونها لا يمكن له منع الفوضى وكسب الدعم الشعبي في الشارع الباكستاني. محزن أن نقول إن مقتل بوتو كان أمرا متوقعا، وكانت عودتها مثل فراشات النار. وبغيابها خسرت باكستان صوتا مهما ذكيا ومثابرا وضروريا لتصويب العمل السياسي في دولة كبيرة بحجم باكستان. ومؤسف أيضا أن توجه الاتهامات إلى الطرف الذي يحارب التطرف قبل وبعد مقتل بنازير.