سركيس نعوم

quot;استغربquot; بل quot;استهجنquot; اعلاميون وسياسيون لبنانيون اقدام جهات عربية واقليمية ودولية عدة على مطالبة سوريا بالتدخل لانهاء الازمة السياسية الحادة التي تعصف بلبنان منذ اكثر من سنة وفي الوقت نفسه على انتقاد تدخلها في الشأن اللبناني بل على تحميلها وان ليس وحدها مسؤولية هذه الازمة واحتمال تحولها شغباً واضطراباً وفتنة وفوضى وربما حرباً اهلية إما طائفية او مذهبية. واستغرب الامر نفسه زملاء لهؤلاء سوريون وكذلك مسؤولون في دمشق يتصف أحدهم بالحصافة والهدوء بصرف النظر عن المواقف السياسية التي يدافع عنها بحكم موقعه الرسمي والتي لا يوافق عليها لبنانيون وعرب كثر. واستخدم هؤلاء استغرابهم والاستهجان الذي بدا جزءاً من حملة منظمة وquot;موقتةquot; لاقناع الناس في لبنان والعالم العربي والاسلامي والمجتمع الدولي اولا ببراءة سوريا من التدخل في لبنان quot;براءة الذئب من دم يعقوبquot;. وثانياً بأنها الوحيدة القادرة على المحافظة على لبنان دولة ووطناً ومنع quot;شعوبهquot; من الاقتتال وفرض التعايش عليها بقوة quot;المؤسسات والقانونquot; والمقصود هنا طبعاً المؤسسات العسكرية والامنية والقانون العسكري. وهذه حقيقة واقعة عاشها اللبنانيون بين 1990 و2005 وما قبل 1990 وليست تجنياً وخصوصاً ان quot;من ساواك بنفسه ما ظلمكquot; كما يقول المثل.

هل يصدق العالم على تنوع قواه واتجاهاته الحملة المفصلة اعلاه؟

قبل الجواب عن هذا السؤال، لا بد من القول ان المنطق والحجة والعقل والضمير لا تنطبق على تصرفات الدول عظمى كانت أو كبرى أو متوسطة أو حتى صغيرة او بالأحرى لا تسيّر سياستها ولا تكمن خلف استراتيجياتها. ذلك ان المصالح وحدها هي التي تحركها. واحياناً تتفق هذه المصالح مع حقوق مشروعة ومصالح وطنية لدول معينة، كما هي حال اميركا والمجتمع الدولي وبعض المجتمع العربي مع لبنان منذ نحو سنتين ونصف سنة. واحياناً تختلف هذه المصالح فيتصرف الاكبر والاعظم بتجاهل تام لكل ما له علاقة بالحقوق والقوانين والنظم الدولية وغير الدولية كما قد يحصل مع لبنان مرة جديدة.

اما بالعودة الى السؤال فان اصحاب حملة التبرئة غير المباشرة لسوريا من التدخل في لبنان بعد خروجها منه عام 2005 من سياسيين وإعلاميين لبنانيين وسوريين يعرفون ان العالم يعرف دوافع حملتهم واسبابها والاهداف التي يريدون تحقيقها منها. ولذلك فحين يطلب منها التدخل لحل الازمة المعقدة في لبنان انما يطلب منها في الواقع وقف تدخلها مع القوى اللبنانية المرتبطة بها وبحليفها الاقليمي الاوحد وربما الدولي الاوحد بل وقف توجيهها بغية تنفيذ سياسة تقضي على الاستقلال الثاني او بالاحرى تفرغه من مضمونه وتعيد اليها النفوذ والسيطرة السياسية على البلاد من خلال تمكين حلفائها من الامساك بمفاصل الدولة على تنوع مؤسساتها او على الاقل من القدرة على تعطيلها ريثما تنضج ظروف استعادة لبنان. ويعني ذلك ان المطلوب منها بصراحة هو ممارستها ضغطاً على حلفائها، وهذا ما قاله وزير الخارجية السوري وليد المعلم، وليس ممارستها ضغطاً بواسطتهم على اخصامهم واخصامها اللبنانيين لاخضاعهم واعادتهم الى quot;الصراط المستقيمquot;.

هل هذا الموضوع هو وحده الذي يثير الاستغراب والاستهجان؟

طبعاً لا. فهناك موضوع آخر يثير استغراب بل استهجان لبنانيين كثيرين وهو رفض جهات لبنانية تدويل الازمة اللبنانية وقبولهم تعريبها اذا كان لا بد من تدخل خارجي ما لايجاد حل لها. وهما رفض وقبول تحدث عنهما زعماء لبنانيون بارزون ووسائل اعلام مهمة. والدافع الى عودة موضوعي التعريب والتدويل الى التداول السياسي والاعلامي هو الاجتماع المرتقب، لمؤتمر وزراء الخارجية العرب في القاهرة غداً الاحد بدعوة مصرية - سعودية للبحث في الوضع اللبناني والوضع الفلسطيني. والمثير للاستهجان هو معرفة هؤلاء اللبنانيين ان من يقبل التعريب اليوم هو في الحقيقة يرفضه لان من يمثله في الاجتماع المذكور يشكل اقلية لا تستطيع مواجهة الغالبية العربية التي تريد الحل في لبنان والتي تحمل هذه الاقلية مسؤولية تعطيله. والمثير للاستهجان ايضاً هو معرفة كل اللبنانيين الى اي جهة ينتمون ان التدويل لم يحل يوماً في لبنان ازمة او قضية ولم يوقف حرباً منذ بدء الاضطراب فيه عام 1969 حتى انتهاء حروبه وحروب الاخرين على ارضه عام 1990. ومعرفتهم ان التعريب كان الاخراج الضروري لتدويل ما إما في صورة كاملة وإما جزئياً اي من خلال صفقة مع الدول العربية الكبرى او مع بعضها. وهذا ما عاناه لبنان بين 1976 و1990 بل و2005. ويعني ذلك عجز العرب عن المبادرة والإقدام والحل والربط. والمثير للاستهجان اخيراً هو استغباء المواطنين اللبنانيين الذي يمارسه رافضو التدويل وجاهلو التعريب. فالتدويل حصل من زمان وتحديدا منذ خريف 2004 حتى الآن من خلال القرارات الدولية التي صدرت والتي نفذ بعضها ولا يزال بعضها الاخر يحتاج الى تنفيذ. والتعريب فشل من زمان اي منذ عقود. لكنه في الازمة الاخيرة الناشبة منذ سنة فشل ثلاث مرات. الاولى والثانية عندما عجز الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى عن اقناع فريقي المعارضة والموالاة بتسوية، وامتنع عن تسمية الجهة المعطلة رغم ايحائه بهويتها. والثالثة كانت يوم ارسل مستشاره الى لبنان فعاد quot;بخفي حنينquot;. وربما لان quot;حنينquot; لم يعد يملك quot;خفينquot; عاد موسى عن ارساله الى لبنان غداً كما كان مقرراً.

ما هو المقصود من ذلك كله؟

ليس التشهير ولا الانضمام الى جوقات الانتقاد المتبادل بل quot;الردحquot;. انما دعوة المسؤولين والسياسيين والاعلاميين في لبنان الى عدم استغباء اللبنانيين الذين لا يشكون من الذكاء الشخصي اذا جاز التعبير بل من quot;الذكاء الوطنيquot; ودعوتهم ايضاً الى الانتقال من الادوار التنفيذية الى الادوار التقريرية. فلبنان ينزلق نحو الفوضى، وهو يستحق انتقالاً كهذا.