صنعاء - حمود منصر


خلّف رحيل رئيس مجلس النواب اليمني وزعيم كبرى القبائل اليمنية (حاشد) ورئيس حزب التجمع اليمني للإصلاح، أكبر حزب معارض، الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، جدلاً في الساحة اليمنية في شأن مستقبل حزب الإصلاح وعلاقة القبيلة بالدولة، ولا سيما مع اتجاه نجله حسين إلى قيادة حركة معارضة لنظام الرئيس علي عبد الله صالح ومناهضة توريث العرش خلافاً لوالده الذي ساند بقوة رئيس الجمهورية منذ تقلده الحكم في 1978.
وترك رحيل الشيخ الأحمر فراغاً في زعامة قبيلة حاشد ورئاسة مجلس النواب الذي ظل يرأسه منذ عام 1993 وزعامة حزب التجمع اليمني للإصلاح وهو من أكبر الأحزاب الإسلامية في اليمن، وقد تزعمه الأحمر منذ تأسيسه عام 1990.
ومثّل الشيخ عبد الله الأحمر رقماً صعباً في المعادلة السياسية اليمنية منذ اندلاع ثورة سبتمبر 1962، إذ قاد جيوش القبائل دفاعاً عن الثورة وعاصر كل المراحل السياسية الصعبة ومحطات الصراع السياسي، كما مثل منذ اندلاع الوحدة قوة للمعارضة اليمنية في البرلمان الذي يسيطر حزب المؤتمر (الحاكم) على غالبيته، في ما رحل واليمن تعيش أوضاعاً شديدة الاضطراب.
وبقدر ما مثل رحيل الشيخ الأحمر خسارة كبيرة للوطن اليمني، فإن هذا الرحيل مثل بالنسبة إلى حزب الإصلاح خسارة أكبر لما كان يوفر له من غطاء مهم للحماية وتعزيز الوجود، وبحكم تلك العلاقة الطيبة التي ظلت تربط بين الشيخ والرئيس، ولما مثله الشيخ عبدالله من وزن اجتماعي وقبلي خدم الإصلاح كثيراً.
ويرى الكثيرون من المحللين السياسيين والمتابعين ان رحيل الشيخ الأحمر سيحمل معه تبعات كثيرة سيرتبط بها مستقبل الإصلاح ونشاط حركة laquo;الإخوان المسلمينraquo; في اليمن، خصوصاً وأن حزب الإصلاح استطاع في ظل وجود الشيخ على رأسه تحقيق الكثير من النجاحات والمكاسب السياسية والتنظيمية على مستوى الساحة اليمنية، ذلك أن الشيخ الأحمر لعب دوراً كبيراً وبارزاً في مسيرة هذا الحزب على مدى الأعوام الماضية، إذ يمكن القول إن الشيخ عبد الله كان يمثل حصناً وحماية قوية للإصلاح الذي تمدد في مختلف محافظات اليمن ونمت شعبيته بشكل ملحوظ. وكما يشير المتابعون فإن ذلك يعود بدرجة أساسية إلى وجود الشيخ عبدالله الأحمر الذي استطاع ومن خلال ثقله ومكانته الاجتماعية كشخصية وطنية بارزة ومؤثرة أن يعزز من الرصيد الجماهيري لحزبه، خصوصاً في الأوساط القبلية، وذلك بحكم التركيبة الاجتماعية السائدة في اليمن وبحكم الولاء القبلي والعشائري، حتى ان دخول أو انضمام العديد من مشايخ القبائل إلى حزب الإصلاح لم يكن بدافع الرغبة في التحزب أو بدافع الولاء الحزبي للإصلاح، وإنما كان ذلك بدافع الانتماء القبلي أولاً وبدافع الروابط الخاصة التي ظلت تجمعهم بالشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، إذ كان ولاؤهم للشيخ أكثر من ولائهم لحزب الإصلاح.
أضف إلى ذلك أن الشيخ عبد الله الأحمر، ومن خلال ما تميز به من قدرة على المناورة السياسية والحرص على الوازن في علاقاته مع أطراف العمل السياسي والاجتماعي كافة، استطاع على مدى أعوام المرحلة الماضية أن يحتفظ بعلاقات جيدة مع مختلف الأطراف داخل الساحة اليمنية، وخصوصاً مع الرئيس علي عبد الله صالح ومع السلطة التي انضوى بداخلها، رغم وجوده على رأس حزب معارض، ونجح بالتالي أن يوظف هذه العلاقة في الاتجاه الذي خدم حزب
الإصلاح وعزز من وجوده في الساحة الوطنية كحزب معارض قوي.
ومن هذا المنطلق، يرى المراقبون أن ثمة تساؤلات كثيرة مطروحة حالياً على مستقبل حزب الإصلاح بعد غياب الشيخ الأحمر، والذي ما من شك أنه ترك فراغاً كبيراً داخل الحزب، وهو الفراغ الذي يشير المراقبون إلى أنه من الصعب على أي من قيادات الحزب أن تملأه على النحو الذي كانت عليه الحال في ظل وجود الشيخ الأحمر.

من هو الشخص الذي سيخلف
الشيخ الأحمر؟
ومع ذلك، فإن مختلف الأوساط السياسية والحزبية وكذلك الشعبية، هي الآن في حالة ترقب وتساؤل عمن هو الشخص الذي سيخلف الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر في زعامة التجمع اليمني للاصلاح، وفي ظل هذا الترقب، فقد أخذت التخمينات والتوقعات تنتشر لدى بعض هذه الأوساط التي راحت تتداول العديد من الأسماء المرشحة لهذه الخلافة، ومن بين تلك الأسماء المطروحة لخلافة الشيخ الأحمر، والتي يدور حديث الشارع حولها، نجله رجل الأعمال حميد والشيخ عبد المجيد الزنداني، رئيس مجلس شورى الإصلاح السابق، ورئيس جامعة الإيمان، والشيخ ياسين عبدالعزيز القباطي مرشد laquo;الإخوان المسلمينraquo; في اليمن وموجه الحزب، ومحمد اليدومي، القيادي النشط في الحزب.
ويرى المتابعون أن حزب الإصلاح بحاجة إلى الشخصية التي تمكنه أولاً من التخفيف من حجم الأثر الذي تركه رحيل الشيخ عبدالله والمحافظة على توازن الحزب في علاقاته، خصوصاً مع السلطة رغم وجوده في المعارضة، وبما يضمن له عدم المواجهة معها والحفاظ على تلك المكاسب التي حققها في الماضي.
لذا ترى الأوساط السياسية أن أبرز المرشحين لترأس حزب الإصلاح هو نجل الشيخ عبد الله الأحمر الذي أظهر حنكة سياسية خلال الأيام الماضية، خصوصاً في الانتخابات الرئاسية التي جرت في سبتمبر من العام الماضي وظهر كسياسي مخضرم استطاع أن يلعب دوراً كبيراً في المعترك الانتخابي.
ويرى المتابعون أن حميد الأحمر، مازال شاباً متهوراً ولم يصل بعد إلى مستوى النضج والعقلانية، ومازال يفتقر إلى كثير من الخبرة والحنكة السياسية التي تميز بها والده، والتي تستطيع تحقيق التوازن التي كانت قد تجسدت في شخصية والده. وبالتالي، فإن وجوده كرئيس لحزب الإصلاح من شأنه أن يفجر مواقف وصدامات مع السلطة، وهو الأمر الذي عنده سيكون الإصلاح هو الخاسر.
فحزب الإصلاح وفقاً لهؤلاء المتابعين كان قد تمدد وحقق مكاسب غير عادية في ظل علاقته الجيدة مع السلطة ومع الرئيس علي عبدالله صالح، والتي كان للشيخ عبدالله الأحمر دور أساسي في تعزيزها.
أما الشيخ عبد المجيد الزنداني، ورغم مكانته العلمية كأحد رموز الحركة الاسلامية المعروفة في اليمن، إضافة إلى أنه يمثل جناحاً مؤثراً إلى حد كبير داخل حزب الإصلاح، خصوصاً في أوساط السلفيين والعقائديين في الحزب، غير أن الطابع الإسلامي المتطرف الذي laquo;وصمraquo; به هذا الجناح أمر يجعل الكثير من القيادات السياسية في الحزب تتحفظ على مسألة تسليم الشيخ الزنداني قيادة الاصلاح، بل إنها تبدي وبوضوح عدم رغبتها في ذلك، ولحسابات دولية. فتلك القيادات ترى أن الشيخ عبد المجيد الزنداني، مطلوب أميركياً، وربما إقليمياً، ومن ثم فإن وجوده على رأس قيادة الحزب من شأنه أن يؤدي إلى وصم الحزب بالإرهاب، ويجلب له الكثير من المتاعب التي هو في غنى عنها، وخصوصاً مع حرص قيادة الحزب البراغماتية أمثال محمد اليدومي، وعبد الوهاب الأنسي، ومحمد قحطان، إعطاء صورة مغايرة لحزب الإصلاح لدى الأميركيين والأوروبيين وتقديمه كحزب إسلامي معتدل أقرب إلى الحزب العلماني منه إلى الديني، وذلك لإدراكهم بأن الطريق إلى السلطة لا يمكن إلا بوجود مثل هذا القبول لدى هذه الأطراف في نظرتها للحزب، وإلا فتهمة الارهاب والأصولية والتطرف جاهزة ولها ثمنها الباهظ.
أما الشيخ ياسين عبدالعزيز القباطي، مفكر الحزب ومنظره والذي كان قد عُرف بالمرشد العام أو بأمير جماعة الإخوان المسلمين في اليمن، والذي يقول المتابعون إنه ظل يتوارى عن الأضواء ويرغب أن يعمل بصمت، فإن ظهوره وفقاً لرأي هؤلاء سيؤدي إلى الحال نفسها بالنسبة إلى الشيخ الزنداني، نظراً للمنابع الفردية والعقائدية الواحدة لكليهما.
ويبقى محمد اليدومي، القيادي البارز في الحزب، والذي يترد اسمه ضمن المرشحين لخلافة الشيخ الأحمر في قيادة حزب الإصلاح، والمعروف عن اليدومي الذي كان قد تخرج من أكاديمية الشرطة في مصر عام 1973، وعمل بعدها ضابطاً في الأمن العام، ثم في جهاز الأمن السياسي ـ برتبة عقيد قبل أن يتحول إلى النشاط الحزبي كقيادي في التجمع اليمني للاصلاح بعد قيام الوحدة في العام 1990، معروف عنه بأنه شخصية براغماتية ومن جماعة الإسلام السياسي التي يتركز طموحها في الوصول
للسلطة مهما كان الثمن، وهناك من ينظر إليه على أساس أنه الرجل الأقوى داخل حزب الإصلاح، نظراً إلى وجود تيار قوي مع السلطة.
ولذلك يتوقع كثيرون من المراقبين والمتابعين أن يؤدي ترؤس محمد اليدومي laquo;للاصلاحraquo; إلى إحداث خلخلة في البناء التنظيمي للحزب، خصوصاً في ظل نفور الجناح العقائدي والقبلي منه نتيجة مواقفه منهما، ومن ثم سيؤدي ذلك إلى انكماش الحزب وتضاؤل دوره جماهيرياً.
ويرجح المراقبون أن يلجأ حزب الإصلاح من أجل تفادي أي انعكاسات سلبية على مستقبل الحزب الذي يكتنفه الغموض بعد رحيل الشيخ عبدالله الأحمر إلى قيادة جماعية تضم من سبق ذكرهم إلى جانب محمد علي عجلان، رئيس مجلس شورى الحزب، وعبد الوهاب الأنسي، الأمين العام للحزب.
وفي الأحوال كلها، فإن غياب الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر سيؤدي إلى حدوث هزة كبيرة في أوساط الحزب، والذي سيفقد بهذا الغياب الجناح المهم الذي ظل يعتمد عليه في التمدد والمواجهة، وهو الجناح القبلي الذي ظل وجوده مرتبطاً بوجود الشيخ عبدالله، ولن يكون هناك أي حافز لديه في البقاء في صفوف الحزب لا من ناحية المصلحة الشخصية أو من ناحية الجانب العقائدي، والذي بات من الواضح أنه بدأ يتضاءل في ظل هيمنة الجانب السياسي على الجانب الديني، والميل إلى تحقيق مكاسب حزبية وسياسية على حساب الكثير من المبادئ والمعتقدات التي ظلت كوادر الحزب وقواعده تعبأ بها لأعوام، خصوصاً عندما كان حزب الإصلاح يمسك بتلابيب مراكز التفريخ الحزبي المسماة laquo;المعاهد العلميةraquo;، والتي تم إلغاؤها في إطار الصفقة المشتركة التي أبرمها حزب المؤتمر الشعبي العام (الحاكم) مع شريكه الحزب الاشتراكي إبان فترة ائتلافهما وفي مرحلة عقب إعلان الوحدة التي عاشاها معا في الـ22 من مايو 1990.
ويبدو أن مستقبل حزب الإصلاح بعد غياب الشيخ الأحمر في مهب الريح وستبدو نتائج ذلك في الانتخابات البرلمانية المقبلة، إذ كان الإصلاح يحصد عدداً من المقاعد البرلمانية نتيجة ذلك الدعم القبلي الذي كان يتلقاه بفضل الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر الذي كان يفاخر دوماً بأنه كان لديه كتلته البرلمانية الخاصة داخل مجلس النواب، بعيداً عن حسابات الإصلاح، وهو يقصد بذلك الدوائر التي حصدها أبناؤه والمشايخ والوجاهات الاجتماعية المحسوبة عليه.
مستقبل الإصلاح هو الآن بقراره الذي سيتخذه في ضوء الحسابات كلها التي ينبغي عليه أن يحسبها جيداً للخروج من معركة الاختيار الصعب التي يجد نفسه أمامها بأقل قدر من الخسارة، فأي طريق سوف يختار؟

عبدالله الأحمر... مسيرة نضال طويلة


الشيخ عبدالله بن حسين بن ناصر بن مبخوت الأحمر يتحدر من أسرة قبلية عريقة في قبيلة laquo;حاشدraquo;، وهو من مواليد 1933. بدأت أولى خطواته النضالية ضد حكم الأئمة غداة إعدام الإمام يحيى لوالده وشقيقه وايداعه السجن، إذ بقي فيه حتى قيام ثورة 26 سبتمبر 1962 ليتعرف خلال فترة اعتقاله على الكثير من رموز الحركة الوطنية في المعتقل، ولتبدأ أولى مراحل انخراطه في معترك القضية الوطنية والعمل السياسي.
وأفرج عن الشيخ عبدالله بأمر من رئيس الجمهورية العربية اليمنية بعد الثورة المشير عبدالله السلال الذي كلفه قيادة القبائل لمطاردة الإمام المخلوع محمد البدر وإلقاء القبض عليه. غير أن الشيخ ساهم تالياً في الإعداد والتنفيذ لحركة 5 نوفمبر1967 التصحيحية التي أطاحت حكومة المشير السلال.
وكان للشيخ الأحمر حضور مؤثر وقوي في العواصف كلها التي عاشتها اليمن منذ قيام الثورة، وتقلد العديد من المناصب التي بدأها عام 1969 رئيساً للمجلس الوطني للجمهورية العربية اليمنية الذي تولى صوغ الدستور الدائم للبلاد، ثم انتخب في العام التالي رئيساً لمجلس الشورى في الجمهورية العربية اليمنية (شمال اليمن سابقاً) حتى تعليق العمل بالدستور الدائم وإغلاق المجلس عام 1975.
وآزر الشيخ الأحمر الحركة التصحيحية التي قادها الرئيس ابرهيم الحمدي في 13 يونيو 1974 لإطاحة الرئيس عبد الرحمن الإرياني، وأيد انتقال السلطة إلى العسكريين. غير أن علاقته بالرئيس الحمدي سرعان ما توترت بعد خلافات كبيرة معه. وعقب مقتل الرئيس الحمدي في 1977 دعم الشيخ الأحمر الرئيس علي عبدالله صالح الذي جاء من مؤسسة الجيش ليكون رئيساً لليمن بعد مقتل الرئيس الغشمي.
وبعد إعلان دولة الوحدة بين شطري اليمن كان الشيخ الأحمر أحد مؤسسي حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي انخرط فيه الكثير من قادة حزب المؤتمر الشعبي ذي التوجهات الإسلامية.
وبعد انتخابات 1993 انتخب رئيسا لأول مجلس نواب في ظل الوحدة اليمنية، وأعيد انتخابه في 1997 للمرة الثانية رئيساً لمجلس النواب، ثم للمرة الثالثة بعد الانتخابات النيابية عام 2003.
حكيم اليمن والقائد التاريخي للنضال الوطني هكذا يتفق كل من يتحدث عن مسيرة وحياة القامة النضالية الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، رئيس الهيئة العليا للإصلاح، صاحب أطول تاريخ نضالي في الحياة اليمنية. سجل نضالي ناصع وأعوام كفاح. تصارع مع الظلم والاستبداد منذ نشأته الأولى، الطفولة الكفاحية لم يثنها بطش المستبد وجبروت الظالم حين أفقده أباه وأخاه أو حين غيبه في ظلمات السجن البئيس. ذلك كله لم يمنعه من أن يمتطي جواد الثورة والجمهورية متزعماً لحركاتها والذود عنها مع أستاذه الشهيد أبو الأحرار محمد محمود الزبيري الذي كان معلماً للحكيم الراحل الذي هو اليوم رمز من رموز الثورة والجمهورية والوحدة، الوفي لأمته، الصادق في مواقفه في زمن تغيب فيه الحقيقة بين سراديب الديبلوماسية.