طلعت اسماعيل


دفع حجاج غزة ثمن التوتر الذي خرج إلى العلن في العلاقات المصرية الإسرائيلية، إلى حد تلويح القاهرة على لسان وزير خارجيتها احمد أبو الغيط باستخدام laquo;المخالب الدبلوماسيةraquo; للإضرار بمصالح إسرائيل بعد ان تحدث الرئيس المصري حسني مبارك عن تجاوز وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني للخطوط الحمراء باتهاماتها لمصر بالتراخي في حراسة الحدود والتغاضي عن عمليات تهريب الأسلحة إلى الفلسطينيين عبر الأنفاق.

تهديدات أبو الغيط التي قوبلت بصفاقة إسرائيلية حيث أوصت الخارجية الإسرائيلية بعدم التعامل معه باعتباره laquo;موظفا غير موضوعي ومتطرفاraquo; عكست إلى أي مدى ضاقت القاهرة ذرعا بالضغوط الإسرائيلية على مصر من بوابة المعونة الأميركية، التي نجح اللوبي الصهيوني في الكونغرس في تعليق 100 مليون دولار منها، وجعلها مشروطة بملف حقوق الإنسان وانفاق غزة.

بعض المراقبين اعتبر تصريحات أبو الغيط بأنها مجرد تهديدات لفظية، وان laquo;المخالبraquo; جرى انتزاعها من أصابع الدبلوماسية المصرية منذ سنوات، وهو ما تعلمه إسرائيل جيدا، ولذلك تتمادى في ابتزاز مصر، بين الحين والآخر،

لتقديم المزيد من التنازلات في الملف الأمني، وأوراق الضغط التي يمكن ان تمارسها القاهرة على الفلسطينيين وخاصة laquo;حماسraquo; التي لم يعد لها منفذ إلا عبر الحدود المصرية وربما تكون قضية الحجاج خير مثال على ذلك.

تستطيع مصر ان laquo;تأكلها بعيش وملحlaquo; كما قال أبو الغيط ولا تقبل بشروط المعونة، شريطة أيضاً ان تضع في حساباتها الاستغناء عن هذه المعونة التي لم يكف العديد من السياسيين والإعلاميين المصريين التحذير من تأثيراتها السلبية على المدى البعيد خاصة وان قيمتها بعد خصم ما يتسرب إلى الخبراء الأميركيين لم يعد يساوي شيئا في سوق البيع والشراء.

واذكر ان الإعلام المصري انشغل قبل عشرين عاما بقضية المعونة الأميركية ونتائج الربح والخسارة في الاعتماد عليها، ووقتها اجرت صحيفة laquo;صوت العربraquo; القاهرية ملفا على مدى ثمانية أسابيع عن تلك المعونة، وكيف اتضح ان نحو 70% منها تذهب إلى الخبراء الأميركيين laquo;القائمينraquo; وهو ما أكدته دراسة في الجامعة الأميركية في القاهرة بعنوان laquo;المعونة الأميركية لمصر ام لأميركاraquo;.

laquo;عاشت مصر 7 آلاف عام وستعيش 7 آلاف أخرىraquo; بإذن الله، لكن شريطة ان يعمل أبناؤها من اجل البقاء القوي الذي لا يخضع لابتزاز ليفني او غيرها من خلال الأخذ بأسباب القوة وعدم الاستكانة لفيروسات الضعف التي تستحكم بجسدها في الوقت الراهن، من خلال مشروع تنموي يعتمد بالأساس على الجهود الذاتية، وليس على مسكنات المعونة من هذا الطرف أو ذاك.

ولعل في زيارة الرئيس الأميركي جورج بوش لمصر ضمن جولته المرتقبة للمنطقة هذا الأسبوع، فرصة لفتح ملف المعونة التي تتأرجح من حين إلى الآخر بين الابتزاز الإسرائيلي، والأعيب اللوبي الصهيوني في الكونغرس الأميركي الذي لا يكف بدوافع معروفة عن الضغط على الحكومة المصرية بالحق والباطل.

مطلوب ان تصل بوش رسالة قوية مفادها ان المعونة التي تحصل عليها مصر تعود على الولايات المتحدة بأضعاف أضعاف قيمتها، وان التلويح من وقت لآخر بقطع او تعليق أجزاء من تلك المعونة لعبة سخيفة.

وان تدرك واشنطن ان الاعتماد على المعونة الأميركية جزء من مشاكل الشعب المصري المعقدة وليس بوابة للخروج منها، وان الشعب المصري قادر اذا توفرت الإرادة السياسية الاستغناء عنها. ربما وقتها يمكن ان تعود laquo;المخالب الدبلوماسيةraquo; إلى الخارجية المصرية وهو ما يجعل ليفني تصمت laquo;بحقraquo; عن ابتزازها العلني، أو على الأقل لا تتجاوز laquo;الخطوط الحمراءraquo;.