أنور عقل ضو

لا يزال لبنان يعيش تداعيات أزمة الفراغ الرئاسي، وما تحمل من مؤشرات خطيرة، عبرت عن نفسها في الإشكال الأمني الذي شهدته منطقة البسطة في بيروت وتطور إلي اشتباك بالأيدي بين أنصار quot;تيار المستقبلquot; بزعامة النائب سعد الحريري وبين مناصرين ل quot;حزب اللهquot; وحركة quot;أملquot; بزعامة رئيس مجلس النواب نبيه بري، علي خلفية تعليق صورة للرئيس الراحل رفيق الحريري، وأدي إلي سقوط 7 جرحي.

الإشكال الذي تمكنت القوي الأمنية من احتوائه، ليس إلا نتيجة حتمية لحالة الاحتقان السياسي في ظل المواقف المتشنجة والتراشق الإعلامي بين القوي السياسية المعنية، والتي يبدو أنها غير آبهة حتي الآن بحركة الاصطفاف الطائفي والمذهبي في الشارع، خصوصاً وأن القادة اللبنانيين هيأوا التربة الخصبة لتنامي الأحقاد الدفينة، والتي قد تعبر عن نفسها أيضاً في غير مكان وزمان.

ويبدو أن الأمور تتطور نحو الاسوأ، في ظل معطيات لا تحمل بشائر تؤكد أن لبنان سلك طريق الحل المنشود، وجاء إعلان وزير الخارجية السوري وليد المعلم ليضفي أجواء من التشاؤم، حين أعلن أن بلاده قررت quot;وقف التعاونquot; مع فرنسا بشأن الأزمة اللبنانية، وهو موقف كان متوقعاً من القيادة السورية، رداً علي مواقف الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي اتهم سوريا بعدم التعاون لجهة تسهيل انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية.

ولا شك أن الموقف السوري الذي أعلنه الوزير المعلم في دمشق من أن quot;سوريا قررت وقف التعاون السوري الفرنسي بصدد حل الازمة اللبنانيةquot;، سيرمي بظلاله الداكنة علي ساحة الصراع الداخلي في لبنان، لا سيما وأن المعلم اتهم quot;الفرنسيين بمحاولة القاء مسؤولية فشل جهود حل هذه الازمة علي سوريا والمعارضة اللبنانيةquot;، واعتبر أن الفرنسيين quot;ليسوا وحدهم الذين يريدون تحميلنا المسؤولية فالولايات المتحدة وآخرون يقولون ان سوريا لديها نفوذ علي المعارضة...

في حين ان غيرنا من الاشقاء العرب يملكون علي فريق 14 آذار تأثيرا أكبر مما تملكه سوريا علي اصدقائها في المعارضةquot;. ويبدو ان المعلم كان يشير بذلك الي المملكة العربية السعودية من دون تسميتها.

وسط هذه الصورة، أعلن في بيروت عن إرجاء زيارة مدير مكتب الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسي السفير هشام يوسف التي كانت متوقعة إلي بيروت، الي موعد يحدد لاحقاً بعد اجتماع القاهرة، بحسب ممثل الأمين العام المساعد للجامعة السفير عبد الرحمن الصلح.

وفيما أكد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة (نواب حزب الله) النائب محمد رعد أن quot;المعارضة لا تريد تهميش فريق السلطة لكنها تريد أن تكون شريكة في القرار السياسيquot;، نصح رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط بترك الزعامة إذا أراد ان يحافظ علي وجوده بدل أن يمارس سياسة الخداع والكذب.

فقد جدد النائب رعد القول بأنه ليس أمام الفريق الحاكم سوي الإذعان لمطلب المعارضة في تحقيق الشراكة الوطنية، مضيفاً بأننا لسنا بحاجة لأن ندفعهم كي يقعوا الهاوية، وهم سائرون إليها عبر الطريق الذي يسلكونه لكن المسألة مسألة وقت، مشيرا إلي انه بالرغم من غدر فريق السلطة والتفرد والتلاعب بقيود الأحوال الشخصية في بعض المناطق، فان المعارضة لا تريد تهميشهم.

بالتوازي انتقد مجلس المطارنة الموارنة في اجتماعه الشهري الجدل الدستوري القائم حول انتخاب رئيس الجمهورية، بعد الاتفاق علي اسم المرشح لهذا المنصب الكبير، فيما تعذر الاتفاق علي انتخابه، وأشار إلي أن هذا ما يحدث لأول مرة منذ نشأة الجمهورية في لبنان، ورأي أن هذا الأمر يظهر مدي الخلاف القائم بين أهل السياسة الذين يسعي بعضهم إلي مصالحهم الخاصة قبل سعيهم إلي مصلحة بلدهم.

وجاء موقف النائب في قوي الأكثرية أنطوان زهرا، في سياق المواقف المتشنجة، حين رأي أن المطلوب من الآخرين تسمية الطرف المعرقل والذي هو سوريا وإفهامها أن لا مجال لعودتها الي التواصل مع المجتمع العربي والدولي إلا من خلال السماح للبنان بإعادة بناء مؤسساته الدستورية، ونحن نظن انه بعد مرور مؤتمر أنابوليس والمبادرة الفرنسية، ومبادرة أمريكا وفرنسا إلي إعلان نفاد صبرهم من المماطلة السورية، يجب علي الإخوة العرب إفهام سوريا أنهم لن يستمروا في حمايتها سياسيا، في وقت يعطل السوريون المؤسسات الدستورية في لبنان وعلي رأسها انتخابات رئاسة الجمهورية.

ويبدو أن الجو السياسي الضاغط، مترافقاً مع موقف دمشق حيال المبادرة الفرنسية، والأجواء المشحونة علي المستوي الشعبي، تفضي جميعها إلي نتيجة واحدة، وهي أن الأزمة مرشحة للاستمرار والدخول في متاهات الفوضي، إلي درجة أن ليس ثمة من يعلق آمالاً كبيرة علي ما سيصدر عن اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة الأحد المقبل.