محمد بن هويدن

يزور هذا الأسبوع الرئيس الأميركي جورج بوش دولة الإمارات العربية المتحدة في زيارة رسمية هي ليست فقط الأولى للرئيس الأميركي للإمارات بل هي أيضاً الأولى لرئيس أميركي على رأس السلطة في بلاده للدولة.هذه الزيارة تأتي ضمن جولة الرئيس بوش التي تأخذه إلى كل من إسرائيل والضفة الغربية والكويت والبحرين فالإمارات

ومن ثم ستأخذه إلى السعودية ومصر وربما إلى العراق في أي وقت غير معلن.لكن ما يهمنا نحن هو زيارته لدولة الإمارات، التي تجعلنا نتساءل عن مغزى هذه الزيارة التاريخية، لاسيما إذا علمنا حقيقة أن الرؤساء الأميركيين لا يقومون بزيارات إلى دول العالم إلا ويكون هناك مغزى معين من وراء تلك الزيارات، فخطواتهم محسوبة إلى أبعد درجة.

لذلك فزيارة الرئيس بوش للإمارات لا يمكن إلا أن تعتبر ذات مغزى معين. وفي قراءتنا لزيارة الرئيس الأميركي هذه فإننا نجد مجموعة من الدوافع الأميركية التي من الممكن القول بأنها وراء جعل الرئيس الأميركي يقرر القيام بزيارة دولة الإمارات، وهذه الدوافع يمكن إجمالها في التالي:

أولاً، تأتي هذه الزيارة من أجل تأكيد العلاقة السياسية القوية القائمة بين الولايات المتحدة ودولة الإمارات؛ فالإمارات حليف سياسي قوي للولايات المتحدة ومساعيها السياسية لاسيما تلك التي تحاول من خلالها التوصل إلى دفع عملية السلام في منطقة الشرق الأوسط بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

فدولة الإمارات داعمة دائماً لسبل حل القضية الفلسطينية بالطرق السلمية، وتدعو إلى ضرورة لعب الولايات المتحدة لدور مهم في هذا المجال باعتبارها الدول الفاعلة وذات التأثير الدولي الكبير لاسيما على أطراف النزاع المختلفة.

دولة الإمارات دعمت خارطة الطريق ومبادرة السلام العربية ودخلت كعضو فاعل في اللجنة الرباعية المنبثقة عن المساعي العربية من اجل تفعيل هذه المبادرة، وتقدم الدعم المادي من أجل تنشيط الحياة الاقتصادية والاجتماعية للفلسطينيين.

فزيارة الرئيس بوش هذه تأتي في هذا الإطار الساعي لتقدير واشنطن للمساعي الإماراتية في هذا المجال، والعمل على استمرار هذه المساعي من أجل دفع الحوار بين الفلسطينيين والإسرائيليين خاصة مع رغبة الرئيس الأميركي في جعل خطوة مؤتمر أنابوليس الأخيرة

على أنها الأولى نحو تعزيز خطوات أخرى لدفع عملية السلام في عام 2008، من اجل أن ينجح الرئيس بوش في تحقيق شيء إيجابي يذكر به بعد رحيله عن البيت الأبيض بعد عدة أشهر.

ثانياً، تأتي هذه الزيارة لتقدير الجهد الإماراتي المكثف من أجل دفع عملية الاستقرار في العراق من خلال المساهمة الإماراتية الفاعلة في تقديم يد العون للعراقيين في مختلف المجالات لاسيما تلك المرتبطة بتعزيز قدرات القوات العراقية على رفع كفاءتها لخلق سيطرتها على الأوضاع في العراق والمساعدة في تحقيق الاستقرار هناك؛

كما تأتي الزيارة لإعلان تقدير الولايات المتحدة للدعم الإماراتي للعملية السياسية في العراق منذ انطلاقتها ولدفعها نحو إعادة فتح بعثتها الدبلوماسية في بغداد في أسرع وقت ممكن ليكون ذلك مؤشراً على أن الظروف السياسية والأمنية في العراق أصبحت جيدة من أجل مساعدة الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

ثالثاً، تأتي هذه الزيارة تعبيراً عن تقدير الولايات المتحدة لما تقدمه دولة الإمارات من دعم سياسي وأمني لدفع الاستقرار في أفغانستان لاسيما من خلال المساعدات الاقتصادية والأمنية التي تقدمها الدولة للحكومة الأفغانية من أجل تحقيق الاستقرار في أفغانستان، وبالتالي مساندة المساعي الدولية في هذا المجال.

رابعاً، تأتي هذه الزيارة للتعبير عن الشكر الأميركي للدعم الإماراتي المقدم في السعي لمحاربة الإرهاب والعمل على الحد من السبل الكفيلة على انتشاره لاسيما تلك المتعلقة بالتشريعات والإجراءات المالية وغيرها التي يمكن أن تحوم حولها الشكوك؛ اليوم استطاعت الإمارات أن تكون دولة فاعلة في مجال مكافحة الإرهاب والحد من انتشاره رغم الانفتاح الاقتصادي الكبير الذي تعيشه الدولة.

خامساً، تأتي زيارة الرئيس الأميركي من أجل تقديم تقديره للإمارات باعتبارها دولة حليفة أساسية للولايات المتحدة في سبيل تحقيق الأمن في المنطقة بأسرها، فالموانئ الإماراتية تعتبر من أكثر الموانئ خارج الولايات المتحدة التي تتردد عليها السفن الحربية الأميركية، وهذا في حد ذاته يبين حجم الدعم الذي تقدمه الإمارات للولايات المتحدة في مجال السعي لتحقيق أمن واستقرار المنطقة الخليجية.

سادساً، تأتي الزيارة أيضا من أجل تعزيز أواصر التعاون الاقتصادي القائم بين البلدين لاسيما وأن دولة الإمارات تعتبر أكبر دولة في الشرق الأوسط مستوردة للبضائع الأميركية وبواقع 12 مليار دولار أميركي، ويوجد ما يزيد على 750 شركة أميركية تعمل في دولة الإمارات، وأن البلدين يعملان على إنشاء اتفاقية تجارة حرة بينهما.

الزيارة تحاول قدر الإمكان تعزيز هذا التعاون الاقتصادي بين البلدين وتحاول دفع المحادثات المتعلقة بالتجارة الحرة إلى الأمام محاولةً تجاوز الركود الذي سببه الرفض الأميركي لشركة موانئ دبي في إدارة موانئ أميركية كجزء من صفقة الـ Bamp;O التي استحوذت عليها شركة موانئ دبي العالمية.

وتأتي الزيارة أيضا تقديراً للإمارات ودول خليجية أخرى على عدم اتخاذها خطوة جماعية نحو فك ارتباط عملاتها بالدولار الأميركي الذي سيكون له الأثر في الإضرار بالاقتصاد الأميركي، وربما حثها على إبقاء ربط عملتها بالدولار الأميركي.

سابعاً، تأتي زيارة الرئيس بوش للإمارات من أجل تأكيد التحالف الأميركي مع دولة الامارات والدول الخليجية الأخرى وتأكيد الالتزام الأميركي بأمن المنطقة لاسيما مع تزايد التحليلات في المنطقة العربية وفي الولايات المتحدة بأن الولايات المتحدة قد تميل إلى توطيد علاقتها بإيران من أجل الخروج من ورطتها في العراق، الأمر الذي قد يكون على حساب الدول الخليجية.

الزيارة الأميركية لدول المنطقة هي تعبير واضح على أن الولايات المتحدة لن تتنازل عن دول المنطقة وعن التزامها بأمن المنطقة. أخيراً وليس آخر فإن العامل الإيراني والمتمثل في البرنامج النووي الإيراني سيكون محوراً حاضراً أثناء هذه الزيارة وسيكون موضوعاً مهماً لحديث الرئيس الأميركي مع القيادات السياسية الإماراتية

وكذلك القيادات السياسية في الدول الخليجية التي سيزورها.فما من شك أن ثمة ما يريد الرئيس بوش التأكيد عليه حول برنامج إيران النووي للقادة الخليجيين الذين سيزورهم لاسيما مع تنامي المساعي الدبلوماسية الإيرانية من أجل خلق انفراج في العلاقة مع الدول العربية؛

فالرئيس بوش سيحاول احتواء تلك المساعي الإيرانية بتأكيد تمسكه بفكرة أن إيران ما زالت تمثل تهديدا للأمن العالمي وأن سياسة الولايات المتحدة لن تتغير بسبب ما ذكره تقرير الاستخبارات الأميركية السابق من أن إيران أوقفت برنامجها العسكري النووي منذ عام 2003.

كل تلك الأمور هي دوافع أساسية وراء زيارة الرئيس جورج بوش إلى الإمارات، وهذه الزيارة في مجملها هي زيارة تأكيد أواصر العلاقة القوية القائمة بين الولايات المتحدة ودولة الإمارات في مختلف المجالات لاسيما السياسية والاقتصادية والأمنية ولن تخرج عن كونها زيارة تصب في هذا المجال ولن تكون زيارة تهدف إلى تغيير جذري في السياسة الأميركية تجاه المنطقة