محمد صادق دياب

أقدمت فتاة، 16 عاما، على الانتحار للمرة الثانية في دار الحماية بمدينة جدة، وتشكلت لجنة سباعية للتحقيق في الحادثة، وكانت الفتاة قد التحقت بالدار بعد تعرضها للعنف من قبل والدها.. وتستطرد الصحيفة المحلية التي نشرت الخبر فتنقل تشخيصا للحالة من قبل الطبيب المشرف على علاج الفتاة بأنها laquo;ذهان، سبقه اكتئاب نفسي حاد يصاحبه هلوسات سمعية وبصريةraquo;!!

الذين يعرفون أبجديات الأمراض النفسية يدركون أن مكان الفتاة الطبيعي ليس دار الحماية، بل مستشفى الصحة النفسية، وأن وجودها ضمن 60 فتاة في دار الحماية خطر عليها وعلى الآخرين، فحالة المريضة عرضة للتدهور في غياب المعالجة النفسية، المصحوبة بالإشراف والمتابعة، والمريض الذي يعاني من هلوسات سمعية بصرية قد يتسبب في أذى من حوله دون أن يدرك نتائج أفعاله، واستغرب أن تفشل الدار التي تحمل عنوان laquo;دار الحمايةraquo; عن توفير أبسط قواعد الحماية لنزيلاتها، بتركهن يتقاسمن السكن مع مريضة نفسيه في حالة مرضية حرجة!!

والغريب أن الأنظار تجاهلت الحالة المرضية للفتاة وحصرت اهتماماتها في سوء معاملة إحدى الموظفات في الدار، فتحدث مدير عام الشؤون الاجتماعية الدكتور علي الحناكي عن لائحة العقاب التي تطبق على الموظفات، كما أكدت مديرة الدار على توفير أفضل سبل الحماية للنزيلات، مع أن الخطأ الأكبر ليس خطأ الموظفة، ولكنه خطأ الدار حينما قبلت إيواء مريضة نفسية بدلا من تحويلها إلى مستشفيات الصحة النفسية لتخفيف معاناتها من المرض.

وهذه المريضة التي أقدمت أكثر من مرة على إنهاء حياتها بالانتحار، لا أحد يمكن أن يتنبأ بما ستفعله في المرات القادمة، فقد تودي بحياة الأخريات، وما أكثر الحوادث التي ارتكبها بعض المرضى النفسيين في حق أسرهم ومحيطهم الاجتماعي، فأنا أعرف من هؤلاء من قتل أباه، ومنهم من قتل زوجته وأطفاله، وغير ذلك من الحالات الأليمة.. ومن واجب دار الحماية أو أية دار مماثلة مسؤولية التأكد من الصحة النفسية لنزيلاتها قبل إيوائهم، وإلا فإنها ستتحول من دار للحماية إلى دار تهدد حياة ساكنيها، وتجعلهم عرضة لأخطار أكبر وأعظم من الأخطار التي احتموا بالدار لدرء أهوالها، بحيث يغدو اللاجئ إليها كالمستجير من الرمضاء بالنار.