زهير قصيباتي

حسناً فعل الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى حين امتنع عن وصف سلة الحل العربي للأزمة في لبنان بالفرصة الأخيرة، كما فعل الرئيس نيكولا ساركوزي الذي بدا كمن يوجه إنذاراً، لكنه ساهم في تعميم خيبة الأمل، حين أُحبِطت المساعي الفرنسية للحل.

وإذ تعود مظلة التعريب الى لبنان مجدداً، فالاختراق الذي شكّل مفاجأة قبل بدء المداولات الرسمية للمجلس الوزاري للجامعة في القاهرة، هو ثمرة للضغوط السعودية - المصرية التي تكثفت اخيراً لتفادي ما اعتبره وزير الخارجية المصري احمد ابو الغيط laquo;انفجاراًraquo;، وبدت في سباق محموم مع القصف العشوائي بالاتهامات في لبنان... وعودة الاحتقان بين شوارع الغالبية وشوارع المعارضة الى الذروة.

في القاهرة، كان موسى شاهداً على التوافق المصري - السعودي - السوري الذي أتاح إثر اجتماع وزراء الخارجية الأمير سعود الفيصل ووليد المعلم وأبو الغيط، إعلان النقاط الثلاث لسلة الحل العربي للأزمة اللبنانية. نقاط أهم بنودها ليس ضمن بنودها التي صيغت بأسلوب لا يمكّن المعارضة في لبنان من التشكيك في توازن هذا الحل، كما حاولت قبل اجتماع مجلس الجامعة. فقبول الوزير المعلم laquo;السلّةraquo; التي اصرّ موسى على التقاطها laquo;وفق الأصول الدستوريةraquo;، هو عملياً رضوخ للإلحاح السعودي - المصري على اعتبار الانتخاب الرئاسي العاجل، المعبر الإلزامي الأول لاختبار نيات كل الأطراف المعنيين بالتسوية في لبنان.

... وهو عملياً إعلان توافق سعودي - سوري على بدء مسيرة الحل التي تتطلب وقف السجالات العقيمة في البلد، والحملات الإعلامية وسيل الشتائم التي تزرع مشاريع فتن. لكن المتشائلين بمفاعيل بيان القاهرة وولادته السريعة، يذكّرون بتكرار دمشق رفضها الضغط على المعارضة في لبنان، وباستعارة المعلم laquo;الوهمraquo; في رده على المساعي الفرنسية التي اتكأت على نفوذ سورية لدى laquo;حزب اللهraquo;، لإقناعه بالتخلي خصوصاً عن laquo;الثلث الضامنraquo; أو المعطل، في تشكيل الحكومة المقبلة.

لم يستجب بيان القاهرة مطلب المعارضة في هذا الصدد، ولم يكن غريباً رفضه ربط انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً بشروط المحاصصة في الحكومة الأولى في عهده. وما تشديد موسى على عبارة laquo;وفق الأصول الدستوريةraquo; سوى اشارة الى ان الجامعة العربية لا يمكنها ان تسجل سابقة تشجيع أي طرف في أي من الدول الأعضاء على الخروج عن الأطر الدستورية.

أما الأهم في النقاط الثلاث التي تؤيد تشكيل حكومة وحدة وطنية وتدعو الى صوغ قانون انتخابي جديد في لبنان - كما تريد المعارضة - فهو سحب سلاح التعطيل منها ومن الموالاة، بمنح رئيس الجمهورية الصوت المرجح الذي قد يعني مثالثة من نوع آخر في مجلس الوزراء، ويقوي الرئاسة مجدداً ويطمئن المسيحيين... ويبطل ذريعة القلقين على مصيرهم، وصوتهم في المؤسسات الدستورية.

لكن الشيطان دائماً يكمن في التفاصيل، وقد يكون مبالغة في التفاؤل توقع انتخاب العماد سليمان في 12 الشهر الجاري، أو أن تبصم المعارضة بسهولة على laquo;السلةraquo; العربية ما ان يعود عمرو موسى الى بيروت، لأن العقدة لديها ستكون في تحديد وزراء laquo;كفة الترجيحraquo; وطوائفهم وانتماءاتهم... والعودة الى طروحات بلا نهاية في قضية المشاركة.

اما المتفائلون بكفة الترجيح الإقليمي - الدولي الذي من شأنه ان يعيد رسم حدود الصراع في لبنان، وقد يمهد للتسوية، فيذكّرون بالضغوط الفرنسية على دمشق عبر وقف الاتصالات معها، واقتراب موعد القمة العربية في العاصمة السورية التي لن تقارب النجاح في حال تغيبت عنها دول كبرى، بسبب الخلاف على الملف اللبناني، أو انعقدت فيما الفوضى تطيح بما بقي من مؤسسات في بيروت.

ويذكّر المتفائلون ايضاً باقتراب موعد التسويات، بأن مستشار خامنئي، علي لاريجاني بدا في دمشق مستعجلاً حل الأزمة اللبنانية، قبل ذهاب المعلم الى القاهرة. أي ان طهران تشجع دمشق على دور لبناني تحت سقف التعريب... ويذكّرون ايضاً في إطار التحولات التي تسبق التسويات الكبرى وتبادل الأوراق الإقليمية، ان خامئني نفسه لم يستبعد قبل ايام، وللمرة الأولى، علاقة بين ايران وأميركا التي لطالما اعتبرها laquo;الشيطان الأكبرraquo;، وكل ذلك بعدما انحسر خيار تشديد العقوبات الدولية على بلاده، وتراخت أزمة الملف النووي الإيراني.

في مرحلة التسويات، يبقى مطلب طهران ضمانات إقليمية (للنفوذ)، ومطلب دمشق ضمانات laquo;لبنانيةraquo; باتت معروفة. وفي لحظة الخيارات الكبرى، سيكون عسيراً على أي طرف لبناني اختبار رفضه laquo;وهمraquo; الرضوخ لضغوط الخارج.

في طهران باتت اميركا احتمالاً، laquo;يوماً ماraquo; كما قال خامنئي... في بيروت هل تبقى شيطان laquo;المؤامرةraquo;؟ في بيروت اختبار حاسم للتعريب، حيث فشلت واشنطن ولم تنجح باريس.